كاتب سعودي متخصص في الشؤون الإيرانية
مؤخرا نشر موقع “بريتبارت نيوز” مقابلة أجراها مع حاكم ولاية فيرمونت السابق هاورد دين وتمت ترجمة أجزاء منها على موقع مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية. تحدث هاورد دين في تلك المقابلة عن النظام الإيراني الحالي بصورة شفافة ومباشرة. فقد قال دين إن إيران “دولة بعيدة كل البعد عما يعنيه اسم الجمهورية الإسلامية، وأنها ليست دولة إسلامية، بل هي دولة تم اختطافها من قبل البلطجية والقتلة، وأنه لا يعرف من بين المسلمين الذين يُكنّ لهم كل الاحترام من لديه ذات السلوك الذي يبرع به النظام الإيراني”. كما وصف إيران بأنها أكبر الدول الراعية للإرهاب على مستوى العالم، وأنها تشكل تهديداً في المنطقة. وفيما يتعلق باستخدام إيران الدّين وسيلة لإعدام مواطنيها، قال هاورد إن إيران في ظل النسب المرتفعة لحالات الإعدام على مستوى العالم، وامتلاكها للسجلّ الأسوأ في مجال حقوق الإنسان وتعذيب السجناء السياسيين، بعيدة كل البعد عما تعنيه عبارة “الجمهورية الإسلامية”.
الواقع أن هذا الأميركي لم يأتِ بجديد، إلا من حيث إن هناك غربيين أصبحوا يتوافقون وهذه القراءة أيضا. لقد سبق هذا السياسي الأميركي شخصية إيرانية بارزة كانت مقربة من الخميني وهو آية الله حسين علي منتظري الذي كان يشغل منصب قائم مقام (نائب) الخميني خلال الفترة بين 1985 و1987. كان منتظري قد أعرب عن اعتراضه على السياسة التي يتبعها الخميني في إدارة البلاد والمتمركزة حول ولاية الفقيه، وكذلك اعتراضه الشديد على صفقة الأسلحة بين إيران وإسرائيل المعروفة بـ”إيران كونترا”، الأمر الذي قاد الخميني إلى أن ضاق به ذرعا فعزله من منصبه ووضعه تحت الإقامة الجبرية. الأهم في هذا كله أن منتظري وصف النظام الإيراني بكلماته الشهيرة بأنه “ليس جمهوريا ولا إسلاميا” وهذا وصف دقيق جدا لإيران ما بعد الثورة وبخاصة أنه صدر من شخصية مقربة جدا من الواقع وخفايا الأمور، وتدل على ذلك شواهد كثيرة.
أما من حيث إنها ليست جمهورية فالكل يعلم أن التاج تم استبداله بالعمامة، وزاد في ذلك أن جميع الصلاحيات المهمة والمصيرية بيد الولي الفقيه ومن أهم ذلك السياسة الخارجية والأمن القومي، علاوة على صلاحيات المرشد في تنصيب وعزل المسؤولين إلى درجة أن بعض الوزراء، مثل “وزير الاستخبارات” لا يحق لرئيس الجمهورية اختياره أو عزله أيضا. كذلك نجد أن أكثر جميع المجالس يتم تعيين رؤوسها من قبل ولي الفقيه بشكل مباشر أو غير مباشر. أيضا نجد أن أئمة وخطباء الجمعة ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون وقادة كافة القطاعات العسكرية يتم اختيارهم من الولي الفقيه وليس رئيس الجمهورية. الأهم أن للمرشد الأعلى مكتبا يمثله في كل دائرة حكومية في البلاد وفي الجامعات والكليات والأقاليم، ويرسلون له تقارير دورية ويخشاهم المسؤولون في تلك الأجهزة والمؤسسات. فماذا تبقى لرئيس الجمهورية؟!
أما فيما يتعلق بإسلامية الدولة فتقول المادة 12 في الدستور الإيراني إن الدين الرسمي في البلاد هو “الإسلام بالمذهب الجعفري الاثني عشري وهذه المادة تبقى للأبد وغير قابلة للتغيير مطلقا”. وهي بذلك تصف النظام بالطائفية ممثلا في فئة من المجتمع الإيراني وهي الشيعة الأثنا عشرية وتنحصر أيضا فيمن يؤمن بولاية الفقيه المطلقة. لقد أصبحت ولاية الفقيه شرطا رئيسا في الحصول على الوظائف وخاصة المناصب، وكذلك التعيين في الجامعات كعضو هيئة تدريس والحصول على منحة دراسية والالتحاق بالقوات المسلحة. بل إن الأمر وصل إلى الدراسة في بعض التخصصات العلمية في الجامعات. عندما تقرأ نماذج التقدم على طلب منحة دراسية أو المنافسة على وظيفة عضو هيئة تدريس في إحدى الجامعات الحكومية تواجه السؤال التالي: هل تؤمن بولاية الفقيه اعتقادا وممارسة”؟ أيضا تركيز النظام الإيراني على طائفية الدولة ومذهبيتها يقود مباشرة إلى أن هناك مواطنين من الدرجة الأولى وآخرين من الدرجة الثانية وربما الثالثة. كيف لأتباع المذهب السني أو غير المسلمين من المواطنين الإيرانيين أن يتم إلزامهم بالاعتقاد بولاية الفقيه كشرط للحصول على وظيفة أو منصب في حين أن بعض الشيعة الأثني عشرية في إيران وخارجها، بل ربما في قم ذاتها، لا يؤمنون بولاية الفقيه ويرون أنها ابتداع خميني في الدين والمذهب؟
إن سلوك النظام الإيراني داخل البلاد وخارجها يؤكد فعلا على مقولة آية الله منتظري التي كررها مؤخرا هاورد دين بأن هذا النظام ليس جمهوريا ولا إسلاميا، لكن العجيب في الأمر أن تجد بعض المخدوعين بهذا النظام ويرددون شعاراته ويروجون لها ويدافعون عنها دون أن يدركوا أن النظام الإيراني سوف يتخلى عنهم فور الاستغناء عن خدماتهم أو حتى التخلص منهم، كما فعل مع كثيرين داخل إيران وخارجها.
المصدر: الوطن