كاتب سعودي
تقدم الأمريكي من أصل إيطالي (سامي جرافانو) الملقب بالجاموس، سراً إلى (إف بي آي) وهي المباحث الأمريكية أواخر الثمانينات الماضية، طالباً تخفيف عقوبته عند محاكمته مقابل شهادته في المحكمة ضد رئيسه في عائلة (غامبينو) المافوية الأكبر والأشد سطوة في نيويورك.
فعل ذلك لأنه أدرك أن رئيسه (جون غتي) متهور ومغرور ويستميت في حب السلطة إلى حد الجنون ولن يصمد كثيراً أمام الأدلة وقد يبادر باغتياله لأي سبب كما يفعلون دائماً. الولاء لدى رؤساء عائلات المافيا الخمسة في أمريكا وقتها كان للمال فقط وقتل أي شخص قد يؤدي إلى كشفهم وإدانتهم.
وصول هذه العصابات إلى الولايات المتحدة في مطلع القرن الماضي وتحديداً إلى نيويورك هرباً من (موسوليني) والتوسع في ما بعد لعدد من المدن الأمريكية يشبه إلى حد بعيد وصول الخميني وزمرته إلى إيران مطلع الثمانينات الماضية انتقاماً من الشاه ثم محاولة التوسع في ما بعد لمناطق خارجية. أيديولوجيا المافيا لم تكن المساهمة في تنمية الوطن الجديد الذي استقبلهم بل كانت المادة والابتزاز والاتجار بالمخدرات والرشوة بأي شكل كان حتى لو تم اغتيال القاضي أو المحقق أو أخيك أو عمك. أيديولوجيا الخميني ليست ببعيدة عندما أهملت الشأن الداخلي ولم تكمل ما بناه الشاه واتجهت لنشر المذهب الشيعي خارجياً بالقوة مهما كلف الأمر حتى لو تقتل أخاك أو عمك وتفجر مناطق أخرى وتقتل النساء والشيوخ والأطفال تهيئة لظهور المهدي المنتظر. جرائم إيران بالطبع لم تعد خافية فقد فجروا في مدينة مكة المكرمة والخبر وبقيق السعودية وفي بيونس آيرس وبيروت وأوروبا والبحرين والكويت وحاولوا اغتيال السفير السعودي في واشنطن. هذا فضلاً عن جرائمهم في سوريا والعراق واليمن وتوفير الحماية حتى لمنظمة القاعدة طالما هي تحقق بعض الأهداف. لا يوجد لديهم أي سبل أخرى كدولة غير الابتزاز والتهديد ولا أعلم ولن أعلم كيف تغاضى الرئيس الأمريكي السابق أوباما عن كل هذا السجل الفظيع ووقع معهم ذلك الاتفاق المخزي. تخيلوا فقط لو أن نيكسون أو كارتر أو ريغان توصل إلى اتفاق مماثل مع (جو بونانو) أو (سكارفو) أو (غيتي) أو (غالانتي) وهؤلاء بعض من رؤساء المافيا في تلك الأزمنة!
تلاشت عصابات المافيا في التسعينات بالطبع ومات معظم قادتهم في السجون. بقي من بقي ولا يزال يمارس نوعاً من الابتزاز ولو بوتيرة أقل ولكن بطرق مختلفة لا تشمل القتل الذي كان سائداً من قبل، والسبب أن عقوبات من يتم القبض عليهم أصبحت مكلفة وتؤدي في الغالب إلى السجن المؤبد دون أي فرصة للخروج. هذا إلى حد ما يشبه العقوبات الصارمة المفروضة حالياً على إيران والتي إن استمرت سيدخل اقتصادها في حالات غير مسبوقة من الكساد وستتغلب نسب الفقر والبطالة وانتشار البغاء والمخدرات على أي أرقام أخرى في أفقر دول العالم.
لا يمكن أن أصدق بأن عموم القيادات في إيران أو في المليشيات التابعة لها مثل #حزب_الله بمن فيهم حسن نصر الله نفسه أغبياء إلى هذا الحد أو لنقل أقل ذكاء من (غروفانو) أو (جيمي هيل) (Goodfellas) أو (مايكل فرانزيس) وغيرهم. لا أصدق بأنهم غير قادرين على تأمل المشهد العام خصوصاً مع إرغام إيران الخروج من سوريا مؤخراً مطرودة بالقوة بعد كل ما فعلته وأنفقت من أجله مليارات الدولارات طمعاً بالبقاء هناك، وبعد الفشل الإيراني الذريع في لبنان والعراق واليمن. بل يكفي تأمل الوضع داخل إيران الذي يوشك على الانفجار..
أتوقع أن الحكمة والمنطق لدى هذه القيادات ستنتصر قريباً على الأيديولوجيا وأكاد أرى هذا الانشقاق الطبيعي والمنطقي قادما حتى لو تأخر قليلاً. إيران لن تتمكن من الصمود مع الحصار العالمي حتى لو استولت على كل أموال قطر التي تبدو خزينتها مفتوحة لدعم تركيا وإيران بلا حساب، وسقوط النظام مسألة وقت لا أكثر. لو حدث هذا السقوط فستتم محاكمة من أجرم بحق الأبرياء سواء من عمل داخل الحرس الثوري أو من تعاون معها عبر المليشيات تماماً كما تم في نيويورك. نعم ستبقى عصابات إيرانية هنا أو هناك كما هي حال أي منظمات إرهابية لكنها ستصبح مطاردة ولن تصمد.
المصدر: عكاظ