يمثل عدم اعتراف إيران بعروبة الخليج العربي، والإصرار على مسمى الخليج الفارسي، التهديد الدائم للأمن الاستراتيجي والاستقرار في دول مجلس التعاون، وهي النقطة الأهم في فحوى الصراع قبل أن يكون صراعاً طائفياً أو تنافساً اقتصادياً أو حدودياً، أو تنافساً مفتوحاً على الموارد وغيرها من الأمور التي في مجملها واقع لا ينكره أحد، ولكن الصراع الوجودي على هوية المنطقة هو الصراع الأهم.. فإيران تعتبر معظم مناطق الخليج العربي مناطق تابعة لها تاريخياً، وتطالب بها عبر تصريحات رسمية من كبار مسؤوليها، والمناطق الأخرى تريد وضع اليد عليها بحكم البعد الديني، وهو هدف غير معلن، وفي الوقت نفسه غير قابل للنقاش في الاستراتيجية الإيرانية الأمنية الكبرى في مشروع نظام أمة الولي الفقيه!
وأهم التحديات الاستراتيجية بطبيعة الحال التقليدية المتفق عليها مثل التسليح الإيراني النووي، وتنامي العداء العسكري ومضيق هرمز والتوغل الإيراني في الدول العربية سياسياً ومذهبياً وتحديات أخرى أشبعت نقاشاً وتحليلاً، ولكن من أهم التحديات التي لا يتم الحديث عنها لحساسيتها، هو تحدي الاستيطان الإيراني للمناطق الخليجية، وشراء محموم للأراضي والممتلكات في المدن الخليجية عبر طرق ووسائل مختلفة، بجانب تحدي السيطرة على أهم الموارد الحيوية عن طريق لربما بعض المصدرين والتجار من القادمين الجدد على السوق الخليجية بعكس التجار الإيرانيين الذين يعملون في الخليج العربي منذ عقود، وليس لهم أجندات خاصة بصورة عامة، ناهيك عن وجود محاولات جادة لهدم الشباب الخليجي عن طريق تهريب كميات كبيرة من المخدرات أو غيرها من المواد الممنوعة.
فالوجود الإيراني الرسمي في الخليج العربي، ولا أتحدث عن القومية والعرق، ولكن المذهب الشيعي المسيس والقومية الشيعية الأمامية، وتغير ديموغرافية البعد المذهبي منذ عشرينيات القرن العشرين، وبثورة الخميني، صُرفت المليارات على استخدام السلاح المذهبي، وذهاب العديد من أبناء المنطقة لتلقي العلم الشرعي في إيران والعراق، وتلويث بعض العقول لترجع لأوطانها بهوية مشروخة، وولاء قد ينقسم بين الأرض والمواطنة والمذهب، ومتطلبات النقاء والإخلاص والوفاء المذهبي، وهؤلاء الأشخاص كانوا ولا يزال البعض منهم بعيداً عن عيون الرادار الأمني، وهم ممن زرعوا بذوراً قوية تحصد ثمارها اليوم، لنفيق من السبات العميق أمام واقع يصدمنا، ونحن غير مستوعبين كيف أصبح الإسلام الشيعي السياسي غير المعلن ومفاهيمه ورموزه ومفكريه وشيوخه والمنتمين إليه، فكراً أقل خطورة من الإسلام السياسي السُني العنيف.
فطموحات إيران تتجاوز الحدود الإقليمية، وإنْ خرجت من الصراع اليمني، لن تخرج قبل أن تجد لها موطئ قدم ثابت، وتعقد صفقة تضمن من خلالها الوجود الدائم على الأراضي اليمنية، كما تراهن إيران على فئة من الشعوب الخليجية المناهضة بشدة للولايات المتحدة الأميركية، وتخصص لهم إيران ميزانية خاصة وطرقاً لاختراقهم بصورة أكبر، وتوجيهم نحو الأهداف الإيرانية، حيث تظهر استراتيجيات إيرانية على وسائل الإعلام المرئي والمسموع والتواصل الاجتماعي تحت مسميات عربية مستعارة، لتثير الفتنة وتنشر الإشاعات المغرضة، وتختلق القصص التي تهز ثقة الشعوب في حكوماتها لزعزعة الداخل الخليجي، وجعله سجين مفاهيم وأطر معينة.
فإيران تقف وراء عدم الاستقرار في المنطقة، وهذا ما تراه صمام أمان لها يحميها من تخلي الولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى عنها، أو مواجهة الجانب الصهيوني بمعزل عن العالم الإسلامي، وهي سياسات محكمة لا تلعب المصادفة أي دور فيها، كعلمها أن مجرد مناقشة احتمال إغلاق مضيق هرمز يعطي إيران بعداً آخر في مسألة النفوذ الإقليمي، وهي تعلم تماماً أن التوازن العسكري التقليدي في منطقة الخليج، هو دافع مهم في سباق التسلح المتسارع بين إيران وجيرانها في الخليج، وهي مسألة وقت ليس إلا، وتميل الكفة للدول العربية وبشكل حاسم، ولذلك لا بد من مواجهة غير مباشرة وهو ما حدث.
فإيران تعمل جاهدة لإضعاف موارد الدول الخليجية والعربية، واستنزاف أكبر قدر من مواردها، حتى لا تستطيع أن تستمر في سباق التسلح، ولا عجب أن تقف إيران مع آخرين لهم مصالح في الصراعات والانقسامات الداخلية في العراق، وسوريا، واليمن، وزعزعة الاستقرار اللبناني، وإثقال كاهل المملكة الأردنية باللاجئين، وإشغال تركيا بمشاكلها الداخلية والحدودية. فوجود دول فاشلة في المنطقة من مصلحة الجانب الإيراني في الوقت الراهن، وهو ما يصب في مصلحة النفوذ الاستراتيجي النسبي لإيران، خصوصاً مع تطور قدراتها في مجال الحرب غير المتماثلة، والذي يعوض عن القدرات التقليدية المحدودة.
المصدر: الاتحاد