وافقت الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسون من الأوروبيين والعرب على خطة موحدة لتقديم الدعم للجماعات المعارضة في سوريا، عن طريق تصنيفهم إلى جماعات يجب أن تتلقى إمدادات السلاح والمساعدات الأخرى، وآخرين غير مؤهلين لتلقي هذه الإمدادات بسبب ارتباطهم الواضح بالإرهاب، وأخيرا هؤلاء الذين تتطلب شرعيتهم مزيدا من النقاش، بحسب مسؤولين أميركيين وحلفاء.
وإضافة إلى المبادرات الجديدة التي طرحتها الولايات المتحدة وغيرها لزيادة شحنات الأسلحة والتدريب للمعارضة السورية، وغيرها من أشكال الدعم مثل المعلومات الاستخبارية، فإن هذه الخطة التي وضعت خلال اجتماع قادة الاستخبارات الذي رأسته الولايات المتحدة تهدف إلى التغلب على الانقسامات بين الحكومات بشأن أي جماعات المعارضة تستحق للحصول على المساعدة والتدريب. وقال أحد المسؤولين العرب «الهدف من ذلك هو ألا تعمل دولة بمفردها، وأن يلتزم الجميع بنفس المعايير». ووصف المسؤول التصنيف بأنه «وثيقة حية» يجري تحديثها باستمرار مع تحول تحالفات مجموعات المعارضة.
وتختلف هذه المبادرة عن المبادرات السابقة الرامية إلى تنظيم المساعدات الخارجية التي طرحت خلال العامين الماضيين من الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا. وكانت تركيا والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة وقطر، من بين المشاركين في اجتماع الأسبوع الماضي، وكانت تبرز بينهم تباينات حول أسلوب دعم المعارضة وتقويض الرئيس السوري بشار الأسد.
لكن مسؤولين من عدة حكومات أوروبية وعربية شاركوا في اجتماع للاستخبارات واجتماعات رفيعة المستوى في الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة – وكثير منهم شكوا في الماضي عن غياب الدور القيادي لدى الإدارة الأميركية – أشاروا إلى وجود تحول جوهري نحو موقف أميركي أكثر حزما ورغبة من قبل الآخرين على اتباع هذا المسار. وأشاد المسؤولون الأجانب بموقف الإدارة الأميركية الجديد «الذي استشعر الضرورة الملحة». ومن جانبهم أشاد مسؤولون أميركيون بالمستوى الجديد من التعاون الذي قدمته مسؤولو الدول الحليفة.
بيد أن الجميع عزا التغيير إلى نفس العوامل، التي كانت من بينها هذه الانشقاقات المتزايدة في صفوف الثوار التي سمحت بإجراء تقييم أكثر وضوحا للمجموعات المعتدلة بما يكفي للحصول على المعونة.
وقال مسؤول كبير في الإدارة طلب عدم الكشف عن هويته لمناقشته أمور متعلقة بالاستخبارات، مشيرا على وجه الخصوص إلى الانشقاقات بين تنظيم الدولة الإسلامية المتطرفة في العراق وسوريا وغيرها من الجماعات «نسعى إلى الاستفادة من الانقسامات التي ظهرت في صفوف المعارضة، وأعتقد أن ذلك سيساعدنا على إجراء محادثة بناءة بشكل أكبر مع دول الخليج والأتراك وبعض الأوروبيين حول كيفية تركيز مساعدتنا على عدد محدد من المجموعات».
ولم يتضح بعد ما إذا كانت إعادة التقييم ستجعل الإدارة تتخلى عن سياستها الراهنة بمساعدة الجيش السوري الحر أم أنها ستركز في الدرجة الأولى على تحقيق آمال واشنطن في توقف الآخرين عن مساعدة المجموعات الأخرى التي تعتبرها متطرفة. وقد تركز الاهتمام الأميركي والأوروبي في سوريا بشكل متزايد على إمكانية تجاوز الحرب في سوريا نطاق الشرق الأوسط. وحذرت تقييمات استخبارية جديدة من الأعداد المتزايدة للأجانب ضمن صفوف المتطرفين، بما في ذلك مئات من الأوروبيين الذين سمح لهم بدخول هذا البلد دون تأشيرات الدخول.
وفي شهادتهم أمام الكونغرس في أواخر الشهر الماضي، شبه كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركيين بعض المناطق التي تسيطر عليها مجموعات معارضة في سوريا بملاذات تنظيم القاعدة في غرب باكستان واليمن، وأشاروا إلى أن بعض الجماعات المتطرفة تحمل «تطلعات» لمهاجمة الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، أودت الحرب السورية بحياة نحو 140.000 شخص، إضافة إلى ملايين الفارين إلى الدول المجاورة التي تمتلك بنية تحتية هشة، وخلفت مئات الآلاف من النازحين داخليا أو الذين يتضورون جوعا – بشكل كبير. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الخميس إن الأزمة أثرت على «ما يقرب من نصف سكان سوريا».
وأخيرا، أصابت مفاوضات الشهر الماضي الفاشلة في جنيف بين المعارضة وحكومة الأسد الإدارة الأميركية بخيبة أمل إزاء إمكانية استعداد روسيا، الحليف الرئيس للأسد، للعب دور بناء. وقد اتضحت بوادر اتساع الخلاف مع روسيا هذا الأسبوع في الأمم المتحدة في قرار لمجلس الأمن المدعوم من الولايات المتحدة بوصول المساعدات الإنسانية عبر الحدود – الذي ترفضه الحكومة السورية – ويحذر من اتخاذ عدد من التدابير غير المحددة.
لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وصف القرار، الذي من المرجح أن يطرح اليوم، بأنه انتهاك للقانون الدولي، وأن سوريا وحدها هي المخولة بتحديد من يعبر حدودها بشكل قانوني. بينما قال بعض المسؤولين الأميركيين وغيرهم إنهم لا يزالون يأملون في التوصل إلى الاتفاق، فيما دعا البعض الآخر إلى دفع روسيا للاعتراض على القرار وهو ما من شأنه أن يحرج موسكو خلال دورة الألعاب الأولمبية في سوتشي.
وقال مسؤولون أميركيون وغيرهم إن الخطط الجديدة تتجه نحو تنفيذ الدعوات المطالبة برفع تدريب مقاتلي المعارضة وزيادة شحنات الأسلحة. وقال مسؤولون أميركيون إنه لا توجد خطط لتحويل برامج التدريب ومساعدات الأسلحة التي تديرها وكالة الاستخبارات إلى الجيش الأميركي.
بالإضافة إلى ذلك، يجري وضع خطط في إطار الاتفاقات الجديدة لفتح طرق إمداد أكثر قوة في الشمال، عبر تركيا، حيث يواجه ما يسمى بمقاتلي المعارضة المعتدلة المتطرفين وكذلك قوات الأسد. وحتى الآن، ترفض تركيا مثل هذه العمليات الخارجية، واتهم بعض الحلفاء الأتراك بغض الطرف عن تسلل المتطرفين. وقال البيت الأبيض إن أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اتفقا في اتصال هاتفي الأربعاء «على أهمية التعاون الوثيق بين بلدينا لمواجهة الوجود الإرهابي المتزايد في سوريا».
لكن استعداد الولايات المتحدة للقيام بدورها إزاء الأحداث الأخيرة لم يلق ترحيبا من كل شركاء واشنطن.
وقال مسؤول عربي آخر «شهدنا هذا الموقف من قبل عامين»، مشيرا إلى أن هدف الإدارة يظل عدم مساعدة المعارضة على تحقيق النصر على الحكومة السورية، بل لمنع هزيمة المعارضة.
وكانت فرنسا قد اقترحت أن يستغل أوباما تلكؤ الأسد في تنفيذ اتفاق العام الماضي لتدمير أسلحة سوريا الكيميائية كذريعة لتجديد التهديد بشن هجمات بصواريخ كروز على المنشآت السورية. لكن دول الخليج العربي الأخرى تصر منذ فترة طويلة على أن الضربات الجوية الأميركية لا تحتاج ذريعة أكثر من استمرار الأسد في السلطة. وأشار مسؤولون في الإدارة الأميركية إلى أن واشنطن لا تزال ثابتة على موقفها الذي كانت عليه قبل عامين، عندما بدأت تنسيق الجهود مع الدول الشريكة لطرح مبادرات جادة.
وقال مسؤول كبير في الإدارة «إننا لم نستثن أي خيار، لكننا على الرغم من ذلك نرفض إمكانية شن ضربات جوية أميركية في سوريا»، واصفا إياها بـ«الحل السريع الزائل». وأضاف «ستظل هناك دائما خيارات، لكننا لا نرى أي فائدة يمكن لهذه الضربات من خلالها تغيير الوضع على الأرض بما فيه الكفاية لتبرير الخطر الاستثنائي الذي تشكله».
ونفى مسؤول كبير في الإدارة التقارير التي صدرت هذا الأسبوع عن وجود تغييرات كبيرة في سياسة الإدارة الأميركية تجاه سوريا، مدعومة بالتصريحات الأخيرة من وزيرة الخارجية جون كيري وغيره، واصفا إياها بـ«المبالغة». وقال «قد تعتقد أننا حصلنا على مهام رسمية للتوصل إلى خيارات جديدة، لكن الأمر ليس على هذا النحو». وأضاف المسؤول «يمكنك القول إنه تغير في النظرة لا تغيير في السياسة».
المصدر: «الشرق الأوسط»