كاتب سعودي
الحمد لله أنني عشت حتى رأيت وزير التربية والتعليم، الأمير خالد الفيصل، ينتقد سيطرة الفكر المتشدد على ميدان التعليم وغيره من ميادين العمل في الماضي. وهذا يؤكد ما كتبته وكتبه غيري، تكرارا ومرارا، من أن حياتنا، من مركز الحي إلى الجامعة، مختطفة من بعض المتشددين الذين، كما قال الأمير الوزير، اختطفوا أبناءنا بعد أن استهتر المجتمع، والمشهد الوطني برمته، وترك هؤلاء الأبناء لقمة سائغة لهؤلاء المتشددين ومحاضن أفكارهم.
لقد دقت مسامير تشدد كبرى في كل زاوية من زوايا مجتمعنا إلى أن وصلنا إلى هذه الحالة المؤسفة والمزرية من الفرز و(تفكيك) الناس على هوى هذه الجماعة أو تلك. بل لقد بلغ دق المسامير والأسافين التي تهدد سلامتنا الاجتماعية مبلغا لم نتصور حدوثه من قبل، إذ قبل أيام فقط كان هناك على تويتر من يستبيح الرؤوس ويطالب أو ينادي بحزها نظير ما قاله أصحابها هنا وهناك.
وهذه نتيجة طبيعية يصل إليها كل من لا يرون رأيا غير رأيهم ولا يعترفون بفكر غير فكرهم ولا يقبلون الألوان التي خلق الله الدنيا عليها. وما يفعله (الداعشيون) الآن في سوريا أو ما يفعله متطرفو ليبيا أو مصر هو من إفرازات التشدد الأكبر الذي ظل يرعى في صفوف المجتمعات حتى بلغ ما بلغه من استباحة الدماء والكرامات، بل واستباحة حياة الناس بكل وأدق تفاصيلها.
لقد تأخرنا كثيرا في إعلان موقفنا الوطني والاجتماعي من موضوع التشدد ومدارس الظلام، لكن الوقت لم يتأخر على تمكين الوسطيين والوطنيين من صياغة مناهج التعليم صياغة بناءة منتجة تحتفي بالدين الحق السمح وتهتم بالدنيا التي تنقلنا إلى حال تقدمية أفضل نستحقها نظير ما يبذل في سبيل تعليمنا وتنميتنا من ثروات طائلة.
نريد لشبابنا وبناتنا أن يحملوا دينهم المبشر بالوسطية والتسامح والحب وقبول الآخر، من غير أن يفقدوا أسباب الحياة الدنيا المنتجة والمبدعة التي تضع وطنهم وتضعهم في مصاف شباب وبنات العالمين. وهذا لن يحدث إلا باجتثاث أشجار التشدد التي طالت وغارت جذورها بعيدا في أرضنا.
المصدر: عكاظ