ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي
حينما شرعت بتحضير رسالة الماجستير في أمريكا كان من حسن حظي أن المحاضرات كانت مسائية، وهذا ساعدني كثيراً على أن أستغل الفترة الصباحية، وأنا شخص نهاري، بكل ما هو مفيد، فكنت يومياً بعد أن أودّع بناتي عند المدرسة، وفي طريق عودتي أُعرّج على فرع «ستاربكس» القريب من بيتي على Tigard Street لشرب القهوة وقراءة صحيفتي المحببة USA Today.
وذات يوم دخلت المقهى فوجدته مزدحماً كالعادة، وكما تعلمون فإن الشعب الأمريكي يعشق القهوة بهوس، أخذت دوري في الطابور الطويل، وبعد دقائق وصلت إلى «الكاشير»، وطلبت قهوتي Caramel Macchiato، وبعد دفع الفاتورة انتقلت للجهة المجاورة كما تجري العادة في المقهى، لأخذ قهوتي عسى أن أسارع إلى طاولتي المعتادة المطلة على الشارع، إذ تتيح لي الاستمتاع بأشعة الأنوار وهي تنساب داخل المكان، لكنني في هذه المرة انتظرت لفترة طويلة، حتى إن بعضاً ممن كانوا خلفي في الطابور، منهم من أخذ طلبه وغادر، ومنهم من جلس على كرسيه مستمتعاً، فاضطررت إلى أن أذهب للموظفة مباشرة مشتكياً مما جرى، فاعتذرت الموظفة بلباقة، وطلبت مني الجلوس على طاولتي المفضلة، لأنها ستحضر لي طلبي بنفسها فوراً، لم تمضِ بضع دقائق حتى وجدت قهوتي أمامي مع كوبون مجاني من ستاربكس اعتذاراً على التأخير، فسرني ذلك التعامل الحضاري، لقد شعرت بأنها خدمة متميزة، وأنها دعمت وجهة نظري الخاصة بالشركات الأمريكية، ومفادها «لا أحد يعلو عليها في فن خدمة المتعاملين، بل لعلها الأروع على الإطلاق ..!».
ومما يجدر ذكره، لأهميته، أنني كنت أزور هذا المقهى طوال أيام الأسبوع ما عدا يومي العطلة (السبت والأحد)، وكنت دائماً ألاحظ أن أغلب الطاولات عبارة عن اجتماعات عمل، رئيس الفريق بيده ورقة كتبت عليها نقاط النقاش والأعضاء متحلقون حوله، والجو السائد مفعم بالنشاط والجدية والفكاهة والمزاح كعادتهم. وقد استهواني، بلاشك، مثل هذا الوضع، وهذه الحالة ووجدت فيهما إثارة للنشاط الفكري، وتغييراً مفيداً، وتجديداً وتحفيزاً لتوليد أفكار قد تحمل بين ثناياها إبداعاً.
جذبتني قبل أيام تغريدة بعنوان Walk at Your Next Meeting لحساب، أنصح الجميع بمتابعته لروعة اختياراته لكل محب للتطوير والتميز الإداري، وهو @HarvardBiz، حيث شذ الكاتب عن القاعدة، فاقترح أسلوب الاجتماعات الراجلة، بمعنى «نمشي ونتناقش» .. هذا في مجتمع أمريكي يتراوح معدل الجلوس فيه تسع ساعات يومياً، وهو المجتمع المشهود له بالحركة والرياضة، فما بالك بمجتمع عربي يضع ألف سبب معرقل لها؟ ومن الفوائد التي ذكرها الكاتب لهذه الطريقة أن النقاش خلال المشي يحسّن من جودة السماع، كما يعمل على تقريب وجهات النظر، ويقلل أيضاً من انقطاع حبل الأفكار وتسلسلها، خصوصاً إذا تركت «هاتفك النقال» في المكتب ..!
قد لا تروق مثل هذه الأفكار للبعض، وقد يتهرب منها آخرون ملقين اللوم أو عدم القدرة على تحقيقها على قساوة الجو، ومنهم من يراها نهفة أو فكرة غريبة، وربما رآها آخرون مجنونة ومضحكة، أو هي مجرد تقليد للغرب، وقد .. وقد .. وربما لن ننتهي من الاستماع إلى الآراء المختلفة. لكن، يا سادة يا كرام، لماذا لا نجربها ولو مرة بشكل ثنائي وبعد ذلك نحكم ..!
المصدر: صحيفة الرؤية