مع عروض الخيالة والهجن والفنون الشعبية المختلفة، وغيرها من الفعاليات والمناشط المدهشة، استقبلت القرية التراثية أمس على كورنيش أبوظبي، احتفالات اليوم العالمي للتراث الذي يوافق الثامن عشر من أبريل من كل عام، وسط حضور جماهيري كبير، احتفاء بالعرس التراثي العالمي الذي يستمر على مدار ثلاثة أيام تنتهي مساء غد. وقد انطلقت الاحتفالات في الساعة الخامسة من مساء أمس مصحوبة بتفاعل أفراد ينتمون إلى جنسيات عديدة شاركوا أهل أبوظبي احتفاءهم بموروث الأجداد، لتتحول منطقة كاسر الأمواج إلى ملتقى لأبناء الشعوب المختلفة، ويؤكد مكانة القرية التراثية، باعتبارها منارة تراثية تضيء كورنيش العاصمة الهادئة، وتستقبل الراغبين في التعرف إلى لآلئ وكنوز التراث الإماراتي في قالب عصري وجذاب، من خلال فعاليات وأنشطة تراثية متنوعة تشهدها على مدار العام.
أحمد السعداوي (أبوظبي)
يشرف على تنظيم الفعاليات نادي تراث الإمارات بوصفه الراعي الرئيسي لكافة الفعاليات والأحداث التراثية الكبرى في المجتمع، وتنفيذاً لتوجيهات سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الإمارات، الذي يدعم الجهود المستمرة التي يقوم بها النادي من أجل إعلاء قيمة التراث، وترسيخ قيمه في نفوس الجميع خاصة لدى الأجيال الجديدة والنشء.
خارج أسوار القرية
الفعاليات التي بدأت خارج أسوار القرية بمنطقة كاسر الأمواج، جذبت أعداداً هائلة من الجمهور لمتابعة عروض الخيالة والهجن وأهازيج الرزفة والعيالة، التي أداها أبناء الإمارات في تناغم جميل واتقان باهر، يعكس اعتزازهم بما تركه لهم الأقدمون من جميل الفنون وعذب الكلام يتغنون به في سائر المناسبات الاجتماعية والوطنية.
وفي خلفية العروض الفنية أقيم مسرح للأنشطة والمسابقات، وإلقاء المحاضرات التوعوية التي تشرح بعض المفردات التراثية والأمثال الشعبية التي يرددها أهل الإمارات من الزمن القديم ولا زال أبناؤهم المخلصون يستعملونها في حياتهم اليومية حتى الآن. كما انتشرت الدكاكين ملاصقة لسور القرية من الخارج، تعرض المشغولات اليدوية والمنتجات التراثية بمختلف أنواعها من أزياء تقليدية ومنتجات الخوص والتلي والزري التي أحسنت الأمهات الإماراتيات صنعها عبر الزمن، وحرصن على نقلها من جيل إلى جيل، حتى صارت هذه المشغولات مرتبطة بالهوية الإماراتية، ومكملاً رئيساً لها.
أياد وعقول
وداخل القرية انتشرت فعاليات مثيرة أبدعت فيها الأيادي والعقول الإماراتية المعتزة بتاريخ الآباء والأجداد، ومن ذلك المشاركة الفعالية لمركز السمحة النسائي التابع لنادي تراث الإمارات، ومنه تقول منى جاسم الملا مدربة الأشغال اليدوية بالمركز، إنهم شاركن بعدد من الأنشطة، منها رسم الحناء التراثية والنقوشات الحديثة، ومعرض تراثي يضم مشغولات تراثية مختلفة، منها ما يستخدم لأغراض الزينة والديكور ومنافع المنزل المتعددة، مثل المداخن، السلال، الخزام «العقال»، الزربون «النعال بلغة الأقدمين ويحميهم من البرد في الشتاء، ويمنع حر الصيف وهو مصنوع من شعر الماعز المغزول».
وهناك الرسم على الوجوه للأطفال، والرسم والتلوين على الورق، كما نعرض نموذجاً للجمال في أثناء ترحالها، الخطام «وهو جمع خطم وهو الأكسسوارت وأدوات الهجن»، مع شرح لطريقة عمل الدخون وكيفية استخدامها، والملابس التراثية للنساء والأطفال التي صنعتها الخبيرات التراثيات المنتسبات للمركز بأنفسهن.
ونقدم أيضاً المأكولات الشعبية، مثل الخنفروش «يصنع من الدقيق والماء والملح والخميرة»، ثم يتم وضعها في الزيت المغلي على شكل دوائر تشبه اللقيمات، ويسمى الخنفروش كونه ينتفخ فور وضعه في الزيت، ويقدم مع الدبس أو العسل. ونعرض «الجباب»، وهو عبارة عن مزيج الحليب والطحين والملح، ويقدم أيضاً مع الدبس والعسل.
التذكير بالماضي
من ناحيتها، قالت فاطمة عبدالله التميمي، رئيس قسم الانشطة النسائية بنادي التراث، أشارت إلى أن الاحتفاء بالتراث الإماراتي، تزامناً مع احتفالات العالم بيوم التراث العالمي في 18 ابريل من كل عام، يحمل عدة أهداف أهمها تذكير الناس بالماضي، وما تركه لنا الآباء والأجداد من أساليب حياة ومشغولاً متنوعة كانوا يستخدمونها في معيشتهم، ولا زال بعضنا يستخدمها إلى الآن.
وأكدت التميمي أن وجود عدد من هذه الفعاليات والأنشطة خارج أسوار القرية، جاء بهدف التعريف أكثر بالموروث الإماراتي، وتحقيق مزيد من التفاعل مع الجمهور واستقطاب فئات متنوعة وجديدة لمطالعة فنون التراث الإماراتي وحياة أهل الإمارات في الزمن القديم.
وبالنسبة للقيمات، التي صارت أكثر الأكلات الشعبية الإماراتية شهرة، ويتسابق الجميع على الحصول على نصيب منها للاستمتاع بمذاقها الشهي، فقد شهدت الخيمة الخاصة بها توافد أعداد كبيرة من زوار المهرجان على اختلاف جنسياتهم مصطفين في طابور ليتذوقوا ما أبدعه المطبخ الإماراتي المتوارث عبر مئات السنين، وقد نجح نادي التراث بشكل لافت في الإعلان عن هذا اللون المميز من الأطعمة الإماراتية، من خلال حرصه على تخصيص مكان معين في كافة الفعاليات التي ينظمها لإعداد اللقيمات وتوزيعها بالمجان على الجمهور.
عشاق التصوير
قادماً من المنطقة الغربية قاطعا مسافة 300 كيلومتر يومياً ذهاباً، وأخرى مثلها إياباً، جاء ابن الإمارات عادل الحمادي أحد سكان جزيرة دلما حاملاً كاميرته ليتنقل بين أرجاء القرية التراثية يلتقط ما شاء له من جميل الصور الثرية بأروع تفاصيل التراث، ويقول الحمادي، إنه يزور احتفالات نادي تراث الإمارات بيوم التراث العالمي للسنة الثانية على التوالي، وأكثر ما لفت نظره الزخم الكبير من الأشكال التراثية في كل مكان داخل القرية وخارجها، ما يعتبر فرصة ذهبية لهواة التصوير، خاصة من أبناء الإمارات كونهم أكثر قدرة على فهم تراثهم وتاريخ آبائهم وأجدادهم.
وأشار الحمادي إلى أنه زائر دائم لكافة الفعاليات التراثية المقامة في الدولة، ويستعد للمهرجان منذ أسبوع، كونه مناسبة جيدة لالتقاط صور فريدة، ويصعب تكرارها في أي مكان آخر.
غير أن أكثر ما ميز هذا المهرجان، الاهتمام الكبير بالأطفال والحرص على إقامة علاقة قوية بينهم وبين التراث عبر أنشطة خاصة بهم، مثل الرسم على الوجوه والتلوين، وعرض أزياء الأطفال في الزمن القديم والألعاب الشعبية التي كانت تمارس قديماً.
عيون إماراتية
أما صديقه محمد الحمادي الذي يشاركه عشق التصوير، فقال إنه عضو مؤسس في فريق «عيون إماراتية»، موضحاً: هدفنا في الفريق إبراز الفعاليات التراثية المختلفة والتعريف بكل ما يتعلق بالهوية الإماراتية إلى جانب السعي إلى تطوير أداء المصورين الإماراتيين، من خلال عدة دورات في فن التصوير وعمل رحلات تصويرية إلى مناطق مختلفة في الإمارات.
وتابع : «عن نفسي لدي هوس بالتصوير التراثي لأنه غني بالتفاصيل الجمالية التي لا يمكن أن نعثر عليها سوى في مثل هذه الفعاليات التي تعتبر أعراساً تراثية نرى فيها الحرف القديمة والمشغولات اليدوية ونماذج حياة الأولين، ومن خلال ذلك أعمل على إظهار جماليات تراث بلادي باستخدام عدسة الكاميرا الخاصة بي».
وقال إنه شارك في عديد من مسابقات التصوير، وفاز في بعض منها بجوائز حصل عليها من نادي تراث الإمارات، وحين يعرف أن هناك حدثاً مهماً مثل هذا الاحتفال السنوي الكبير دعا زملاءه المصورين لاقتناص الفرصة، ومعايشة أجواء طبيعية مبهجة، بعيداً عن المراكز التجارية وأجوائها التي لا تناظر أبداً جماليات التراث وأساليب حياة الأجداد.
مشاركة مجتمعية
ولم يقتصر الأمر في هذه الفعالية على نادي تراث الإمارات، بل ساهم في إنجاحها مؤسسات اجتماعية عديدة منها، وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع والهلال الأحمر الإماراتي وشرطة السياحة في أبوظبي، التي تواجدت من أجل المساهمة في توعية السياح كون القرية التراثية من أكثر الأماكن التي يقبل عليها الزائرون والجمهور في أبوظبي، ومن ثم تبدو أهمية التواجد في هذا الحدث، حيث يقومون بتوزيع كتيبات إرشادية وتوعوية للسائحين بهدف تعريفهم بالقوانين الخاصة لدولة الإمارات والخدمات التي يمكن لهم الإفادة منها حتى تكون إجازتهم في أبوظبي رحلة جميلة مصحوبة بذكريات ممتعة، كما نعرّف بأنه لدينا مجموعة من الكوادر الوطنية.
السوق الشعبية
اشتمل برنامج اليوم الأول من الاحتفالية على فتح أبواب السوق الشعبية أمام الزوار والضيوف، ثم تقديم عرض حيّ لبعض المهن التقليدية التي تتبناها القرية أمام الجمهور، مثل صناعة الفخار والزجاج والأواني النحاسية ودلال القهوة وغيرها، واستقبلت بيوت الشعر الزائرين بالقهوة والأكلات الشعبية، وقدم لهم المدربون التراثيون معلومات وافية عن مرافق القرية ومشاريعها التراثية وبرنامج الاحتفال، كما أتيحت للجمهور فرصة ممارسة رياضة ركوب الخيل والهجن، فيما قدّمت المراكز التابعة لإدارة الأنشطة جملة من النشاطات والفعاليات للجمهور، مثل عروض الألعاب الشعبية، وعروض الصقارة، واليولة، وتشكلت في إطار هذا المناخ التراثي الثقافي احتفالية جماهيرية، شاركت بها عديد فرق الفنون الشعبيثة المحلية بتقديم ألوان مختلفة من الموروث الشعبي وعروض النعاشات.
المسرح المكشوف
على خشبة مسرح القرية التراثية المكشوف الذي تم إنشاؤه خصيصاً للمناسبة، قدّم للجمهور برنامجاً تراثياً واسعاً، اشتمل على مسابقات تراثية وثقافية بإشراف أحمد الحوسني وموزه الصيعري، وقدّم الدكتور راشد احمد المزروعي محاضرة حول الأمثال الشعبية في الامارات، وقدّمت فرقة حوريس المصرية للفنون الشعبية، عرضاً فنياً من اللوحات التراثية بحضور الدكتور عادل ونيشي، المستشار الثقافي بالسفارة المصرية لدى الدولة، وكرّم النادي أعضاء الفرقة بدرع خاص، تقديراً لمشاركتها في برنامج الاحتفالية. أما برنامج اليوم السبت، فيشتمل عروض فرق الفنون الشعبية، وعروضاً خاصة لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع تتضمن برنامج صور من ذاكرة بلادي «الاستديو التراثي للتصوير الفوتوغرافي» ومعرض كتب من إصدارات الوزارة، وجناح فن الرسم على الوجوه، كما يشتمل البرنامج على محاضرة للدكتور فاتح محمد زغل حول القلاع والحصون في مدينة العين.
«ليلة الحناء» و «زهبة العروس»
أشارت فاطمة عبدالله التميمي، رئيس قسم الانشطة النسائية بنادي التراث، إلى أن هناك مشاركات متميزة للنساء الإماراتيات في هذه الاحتفالات، ومنها مساهمة مركز أبوظبي النسائي التابع لنادي تراث الإمارات، الذي يُعرّف الزائرين بـ «ليلة الحناء»، والتي ترتدي فيها الفتاة اللون الأخضر وتتزين بالحناء، ويحضر الأهل لها «مشاطة العروس»، التي ترافقها سبعة أيام تقريباً قبل الزواج لتساعدها في ترتيب أغراضها وتهيأتها للزواج، وتقديم النصائح بالاشتراك مع أمها.
ونقدم عرضاً حياً لـ «زهبة العروس»، وهي المتاع الذي اشتراه العريس لعروسه، بحيث يعزمون الجيران والأصدقاء والأهل لمشاهدة الذهبة، التي تتكون من ملابس العروس، وأغراضها الخاصة وأكسسواراتها وذهبها وملبوساتها وأحذيتها وكل ما يخصها، بالإضافة إلى ملابس العرس التي تعرض على الجيران والأهل خلال الأسبوع السابق على الزواج. وبينت التميمي، وجود مجسمات تراثية تابعة لمركز أبوظبي النسائي تتحدث عن الطب الشعبي قديماً، وكيف كان الناس يُعالجون، ومجسم آخر لزهبة العروس، وكيف كان النساء يقمن بحياكة الملابس.
المصدر: الاتحاد