رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي منذ العام 2014، وزير سابق، وأكاديمي، وكان مديراً لجامعة زايد.
يصادف اليوم، الخامس من سبتمبر مرور 35 عاماً على الخطاب الأخير للرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله، والذي ألقاه في مجلس الشعب المصري عام 1981، وكان اغتياله بعده بشهر ويوم، في العرض العسكري احتفالاً بذكرى انتصار السادس من أكتوبر، حين ارتكبت تلك الجريمة، الجماعة الإسلامية المصرية؛ وليدة تنظيم الإخوان المسلمين. وقد اعتذرت قيادات هذه الجماعة في مراجعاتها الشهيرة، عن هذه الجريمة؛ مؤكدة أن السادات شهيد، وأنها كانت على خطأ حين اغتالته!
في هذا الخطاب، خطاب الوداع، أو وصية راحل كبير، لخص السادات، تجربته المريرة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وكذلك الجماعات الإسلامية، فبعد أن أخرجهم من السجون وفتح لهم الجامعات، وسمح لهم بممارسة جميع أنشطتهم الثقافية والاجتماعية والنقابية، ظناً منه أن إخراجهم من حالة السرية إلى حالة العلانية، وتركهم يعملون من دون تضييق، أو مطاردة، سوف يغيّر من طبيعتهم الملتوية، والتي أدمنت العمل السري، والتآمر، والانقلاب على من أكرمهم.
أدرك السادات، رحمه الله، بخبرته، وتجربته العميقة في العمل السياسي، ومعايشته لهذه الجماعة منذ العهد الملكي – حين بدأت جماعة الإخوان تمارس السياسة بكل أساليبها غير الأخلاقية، أدرك أنها، وكل الجماعات الإسلامية المنبثقة والمشابهة لها في أيدلوجيتها – تمثل خطراً على هوية الدولة المصرية، وعلى كيانها، ووحدتها الوطنية، لأن هذه الجماعات تُعلي الجماعة فوق الأمة، والتنظيم فوق الدولة.
وليس من المبالغة، القول إن السادات – بما كان له من تاريخ وتجربة ومعرفة – كان من القادة القلائل الذين عاصروا تطور تلك الجماعة منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وكان شاهداً على أعمال التنظيم السري، والاغتيالات السياسية التي قام بها ضد الخصوم السياسيين، وكان كذلك، من القادة القلائل الذين منحوهم فرصة تاريخية للوجود الشرعي، والعمل السياسي ضمن أطر القانون والدستور، ولكنهم غدروا كعادتهم وحاولوا التلاعب به، والالتفاف على نظامه.
وفي خطابه الشهير، يوم 5 سبتمبر 1981، وضع السادات يده على المخاطر التي تضمنتها الأفكار الرئيسية التي بذرها مؤسس الإخوان في عقول أتباعه؛ مثل فكرة الحاكمية الإلهية، وما تحمله من تكفير للدولة والمجتمع، ومبدأ السمع والطاعة لأمير الجماعة، والذي يحول الأتباع إلى أدوات تدمير غير عاقلة، تتحرك من دون وعي طبقاً لتوجيهات قيادتها، تلك الأفكار التي أنتجت التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي خرجت من رحم جماعة الإخوان.
وذكر للتاريخ، أن جمال عبد الناصر اتصل بمرشد الإخوان قبل قيام ثورة 1952، وطلب منهم الانضمام إلى الثورة، لكنهم جبنوا وخافوا، وهو ما حدث أيضاً في يناير سنة 2011، وفي كلتا الحالتين، رفض الإخوان الانضمام للثورة، وعندما نجحت سعوا إلى اختطافها، وقطف ثمارها بفرض شروطهم على قيادتها.
تنبأ الرئيس السادات في خطابه الأخير، بكثير من التهديدات التي يشكلها تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، مؤكداً وبشكل مكرر، أنه لا فرق بين جماعة الإخوان والجماعات الإسلامية الأُخرى، والتي تسعى في نهاية المطاف إلى الهدف نفسه، وهو تفكيك مؤسسات الدولة، وإقامة الخلافة الإسلامية وفق رؤية المرشد، أو رؤية أمير الجماعة، وهو ما أثبتت الأحداث صحته.
في هذا الخطاب أيضاً، أشار السادات للعلاقة الوثيقة بين ولاية الفقيه وولاية المرشد، وأنهم وجهان لعملة واحدة، ومتحالفان في الحقيقة، وحذر العالم من نظام ولاية الفقيه في إيران مستنداً إلى الممارسات البشعة التي قام بها في سنواته الأولى من انتقام وقتل وتخريب لدولته باسم الإسلام.
ونبه إلى أن كليهما يمارسان «التقية»، وقد علق على ذلك بقوله: «بس احنا أهل السنة ما عندناش تقية!»، في إشارة إلى نظام ولاية الفقيه التي ترتكز على هذا المبدأ وتمارسه، فقد اكتشف أن التقية كانت منهجهم معه تحديداً؛ فبعد أن أخرجهم من السجون، تغلغلوا في مؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك الجيش، واستطاعوا التخلص من السادات نفسه واغتياله. أدرك السادات هذه الحقيقة متأخراً وقال: «إنه طلع غلطان! وكان لازم يبقيهم في السجون، لأنهم يفجرون في الخصومة، ويكذبون، ويثيرون الجهلاء والموتورين»، لذلك حذر في خطابه من الانخداع في الإخوان والتقرب منهم، أو تقريبهم، والتحالف معهم من قبل الأحزاب والقوى المدنية التي تريد أن توسع قاعدتها الشعبية بالاعتماد عليهم لكسب الانتخابات، أو الظن أنهم يؤمنون بالديمقراطية، فما هي إلا مطية لاستبدادهم، يستخدمونها ثم ينقلبون عليها.
نلاحظ أن كل ما حذر منه السادات، رحمه الله، وما عانت منه مصر من جرائم الإخوان، والجماعات المتطرفة، وتُقيتهم، وأفكارهم المغالية، هو ما عانت منه كثير من دول المنطقة، ومنها دولة الإمارات، من اختراقهم لمؤسسات الدولة ومحاولة «أخونتها»، وقد رأينا ذلك في وزارتي التربية والتعليم والأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الإمارات، ما بين عامي 1979 و1983. إنها أعراض متكررة، لمرض كامن في هذا التنظيم، يدفعه إلى محاولة إسقاط الدول، وتفكيكها لبناء دولة التمكين المزعومة على أنقاض الوطن والمجتمع والإنسان.
المصدر: البيان