كاتب سعودي
قلت من قبل، ولا أزال أقول، إن اختطاف من يسميهم الناس (مطاوعة) ويسمون أنفسهم (ملتزمين) لمؤسسات المجتمع وفعالياته تفّه وهمش وقلل من شأن هذه المؤسسات والفعاليات إلى الدرجة التي غاب فيها الخيال والإبداع تماما. خذ مثلا فعاليات ترفيه هذا الصيف التي نقلت mbc وبعض وسائل الإعلام صورا من بعضها، من باب أن درجة (تفاهتها) لا تكاد تصدق. من هذا الذي لا يصدق أو لا يعقل أولئك الذكور الذين استلقوا على ظهورهم في مهرجان صيف عرعر في عملية تنكيت رديئة عن إرضاع الكبير. أو أولئك الذين تصدروا خيمة صيفية في جدة ووزعوا ابتساماتهم وإيحاءاتهم الجنسية على الحضور. أو حتى أولئك الذين فرغوا السوق من الصابون ليدشنوا مزيدا من رغوات التزحلق والتفاهة.!!
هذا يعني أننا في وادٍ والترفيه في وادٍ آخر تماما. ويبدو أننا لم نسمع قط، خصوصا على المستوى الرسمي، عن صناعة الترفيه حول العالم. تلك الصناعة التي تدر الآن على الدول الناشطة فيها مئات المليارات وتضيف كل يوم ابتكارا جديدا يبقيها في دائرة المنافسة السياحية الترفيهية التي ترتفع وتيرتها كل يوم. نحن قلنا إننا سنبني صناعة ترفيه حقيقية متطورة وتفاءلنا بذلك، لكن يبدو أن حالة الاختطاف لمهرجانات الصيف وبرامج الترفيه تقطع الطريق على المبدعين والمستثمرين الحقيقيين في هذا المجال، الذين تعبوا من ملاحقة الأذونات وقبول الأجهزة الحكومية لبرامجهم واقتراحاتهم.
هذه الأجهزة الحكومية لا تريد أن تطلق عقال الترفيه وصناعته الحقيقية لأن الأمر يتطلب جهدا فائقا على المستوى العملي والاجتماعي. وهي راضية كما هي حال العقود الماضية من الغنيمة، مع استثناءات قليلة، بزحاليق الصابون وإرضاع الكبير وتمثيل الموت داخل القبور. ولذلك ربما تسمح لنا هذه الأجهزة بسحب تفاؤلنا ببناء إستراتيجيات سياحة وترفيه فعلية إلى أن تثبت العكس، مع أنني، خصوصا بعد الذي رأيته هذا الصيف، كثير التشاؤم في أنها ستفهم وتنفذ حاجة الناس إلى ترفيه متقدم وراقٍ.
نتيجة ذلك أننا لا نستطيع لوم مواطنينا الذين ينتظرون الإجازات بفارغ الصبر ليتطايروا في أصقاع العالم من أجل أن يحظوا بمتعة سياحية ولو لبضعة أيام. بل إنني لا ألوم حتى من يقترض ليسافر في إجازته لأن لا شيء مهيأ في بلده يكفيه مؤونة السفر وضرورات الصرف التي يتطلبها هذا السفر. الترفيه من حاجات الإنسان الأساسية، وهو في كثير من دول العالم يومي وليس سنويا، بينما نحن حتى في إجازاتنا الفصلية والسنوية لا نجد سوى مزيد من التتفيه الذي يسمى اعتباطا ترفيها.
المصدر: عكاظ