السعد المنهالي
السعد المنهالي
كاتبة إماراتية

اختلاق ذاكرة!

آراء

كثيراً ما كنت أنزعج عندما اضطر إلى استرجاع «حدث ما» مع آخرين شهدوه معي في الوقت نفسه، وذلك لتباين ما نسترجعه بدرجات كبيرة حد الاختلاف أحياناً، وطالما شغلني هذا الأمر، وملأني شكاً في مصداقية الآخرين، ودائماً ما كانت أمامي تفسيرات متعددة تدور جلها في تعمد الآخرين تغيير مجريات الحدث لنوايا مختلفة. بقيت على حالي هذه حتى قرأت عن نظرية علمية حاول علماء النفس تفسيرها عبر دراسات مستفيضة حول الذاكرة، تضمنت تجارب متعددة في إطار زمني بسيط.

في البداية علينا أن نعرف أن «عملية التذكر» لا تعني استرجاع ما تم تصويره صوتاً وصورة عبر كاميرا رقمية تسجل الواقع الفعلي، وإنما هي مجموع عمليات يقوم بها الدماغ، تبدأ بالإدراك، ومن ثم التخزين، وبعدها الاسترجاع، وهي عمليات يشوبها الكثير من التأثيرات التي لا تجعلها متشابهة بين من يقومون بها، وهنا تأتي النظرية لتقول لنا: إنه وقبل الإدراك هناك ما يسمى بالخبرة السابقة، والتي ستؤثر حتماً في شكل الإدراك، أي ما ستلتقيه الحواس وتخزنه، والتي تعمل أيضاً بمستويات مختلفة من الدقة في معظم الأوقات.

وهذا يعني أن بيئتي وخبراتي السابقة، وكذلك حاجاتي ومصالحي ستجعل إدراكي للأمر (الواقعة) يختلف عن إدراك آخرين شهدوها، والذين بطبيعة الحال تعمل حواسهم بشكل مختلف ومتباين، إذ ذاكراتنا متباينة جداً، تلتقط ما حولها بطريقة انتقائية، وتعمل من دون تدخل مسبق معظم الوقت في ترتيب نفسها، بما يتناسب مع احتياجات صاحبها، والتي قد لا يدركها هو نفسه أحياناً كثيرة. كأن تسترجع «أم» تفاصيل حادثة مرورية شهدتها منذ زمن -على سبيل المثال- وتسردها بطريقة تجعل المتسبب في الحادثة أي شخص آخر غير (الوالدة) التي كانت تقود السيارة بأطفالها، وهذا يحدث دون تعمد التلفيق أو الكذب.

هل خطر في بال أحدكم أنه يمكن يتجول في ذاكرته، ويقوم بتغيير بعض تفاصيل الأحداث فيها لأغراض متعددة منها (التعديل أو الإلغاء) لتحقيق مصلحته؟! بالتأكيد يبدو المعنى الأول الذي يتبادر مباشرة بعد هذا السؤال أننا نتعمد أن يحدث ذلك باختلاق أمور مزيفة، والكذب بدعوى أنها حدثت حقيقة، غير أن ما يحدث فعلاً أن ذلك التجول في الذاكرة هو عملية إعادة ترتيب تلقائية لأحداث حقيقية بطريقة مختلفة عبر تمكين أمور بعينها، وتجاهل أخرى لاختلاق ذاكرة أكثر ملائمة.. فقط هذا كل ما في الأمر.

المصدر: الاتحاد