خاص لـ هات بوست:
يحدث أن يقتل “معتوه” فتاة أو إمرأة معجب بها ورفضته، يمكن أن يحدث هذا في كل زمان ومكان، ويلقى عقابه ويستهجن فعله أو يزجى به في المصح المناسب ليتلقى علاجاً يؤهله للعيش ضمن المجتمع مرة أخرى، أو سجناً يمنعه أن يسبب الأذى لمحيطه، ولا يُطلب من المحيط أن يتوارى عن نظره.
أما في مجتمعاتنا فالأمر يصبح مختلفاً، توجه أصابع الاتهام في حوادث كهذه للضحية، وتلام لأنها لم تعرف كيف تحمي نفسها، وفق مبدأ متعارف عليه للأسف، يعتمد على كونها حلوى ستستقطب الذباب.
وإذ توجه الدعوات لمنع أحد الشيوخ من الظهور على المحطات على خلفية تصريحاته في هذا الموضوع، لا يبدو أن الأمر يتعلق به وحده، بل بجمهور عريض يؤيد ما جاد به الشيخ، يرى أن الفتاة الضحية هي السبب في قتلها لخروجها “سافرة”، وإن أرادت ألا تتعرض للذبح فلتخرج من بيتها مثل “القفة”، ولم نكن بحاجة لأن تدفع فتاة أخرى، محجبة هذه المرة، حياتها ثمناً لدحض هذه الأفكار.
تكمن المشكلة التي نحن بصددها في العقلية التي لم تخرج عن رؤية المرأة متاعاً للسيد المبجل، عليها أن تبرمج حياتها وفقاً لأهوائه، فهي مكرسة لخدمته، إن كان هائجاً عليها أن تختبىء، وإن كان هادئاً عليها أن تسجد له وتقدم فروض الطاعة، والطامة الكبرى أن هذه الأفكار ترتدي لبوساً دينياً شئنا أم أبينا، فالمرأة في الموروث الديني الذي يعشش في عقولنا هي تلك التي خلقت من ضلع أعوج، ثم أغوت آدم ليعصي ربه، وتسببت بطرده من الجنة، ثم أنها ناقصة عقل ودين، مهما فعلت فهي لا تصلح لا لحكم ولا لولاية، والرجل قيم عليها، ويحق له ضربها، وله أن يتزوج أربعة في وقت واحد، ويطلق أي منهن أنى شاء، وستفسد صلاته إن مرت أمامه كالحمار والكلب الأسود، وفي الآخرة معظم أهل النار من النساء، وكل الأمثلة عن دخول النار أبطالها نساء، دخلت إمرأة النار في هرة—، لم نقرأ عن رجل دخل النار، فالرجال سيدخلون الجنة إلا ما ندر، حيث ستعلق النساء من شعورهن وأثدائهن ولن تشملهن رحمة رب العالمين.
كل هذا لا أساس له في التنزيل الحكيم، بل هو خلاصة فكر ذكوري، ما زال خاضعاً لعقول عصور أكل عليها الدهر وشرب، يشكل افتراء على الله وعلى دينه، فالله تعالى خلق الذكر والأنثى متساويين، كإنسان ميزه بالعقل وحمله الأمانة، وجعل التقوى أساس الحساب، و”حواء” لم يرد لها ذكر في كتاب الله، لا كضلع صحيح ولا أعوج، هي بشر ضمن تلك المجموعة البشرية “آدم”، التي اصطفاها الله بالأنسنة بذكورها وإناثها، وستبقى مثله إلى يوم الحساب، لا يوجد ما يميزه عنها، وهو عز وجل القائل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13)
وذاك الفكر ذاته ينتقص من الذكر بمقدار أكبر من انتقاصه للأنثى، من حيث يدري أو لا يدري، فيصوره كائن أهوج لا يمكنه التحكم بغرائزه، يقبل له أن يكون حيواناً يحوم حول الحلوى لينقض عليها لتلويثها، متغاضياً عن أن الله تعالى قد أمره بغض البصر وتزكية النفس كما أمرها تماماً، فإن كان يعاني من أمراض نفسية فليعالج ولا يترك دونما ضوابط، علماً أن الغالبية العظمى من الذكور يمكنها أن تحافظ على اتزانها ولا ترضى القوالب التي يوضعون بها.
والمضحك المبكي هو تلك التشبيهات التي تقتنع بها بعض النساء وتتداولنها، من قبيل كوني “ورقة عنب” ملفوفة جيداً فتكونين أجود، أو أنت جوهرة ثمينة يريد الرجل حفظك من الخدش، علماً أنه يمكن أن يسمح لنفسه بخدشها وتكسيرها فهي جزء من متاعه كأي قطعة أثاث في بيته، وسط رضا وتصفيق المجتمع، وكل ذلك ممكن فهمه في مجتمعات تعاني من صنوف التخلف، لكن ما هو غير مقبول تحميل الإسلام أي مسؤولية عن تلك القناعات، وإذ نلوم المجتمعات الأخرى على تسليع المرأة، علينا نحن الكف عن تسليعها بشكل آخر، باسم رسالة رحمة عالمية خاتمة.
آن الأوان لماذا؟ لتنقية الإسلام من كل الشوائب العالقة؟ أم لثورة النساء مطالبات بحد أدنى من المساواة؟ لتوعية المجتمع؟ للجم زمام العنف المتفلت؟ منع شيوخ الفضائيات؟
ربما نحن بحاجة لمزيج من كل ذلك، لكن للأسف يبدو، ريثما نغير حالنا، أن أفكار شيخ “القفة” ستبقى سائدة.