مدونة و باحثة في الإعلام الجديد
حضرت مؤخراً جلسة في منتدى الاعلام العربي لهذا العام بعنوان “مذبحة الضاد: الاعلام شريكاً”، وددت لو كان العنوان كيوت أكثر، فما أكثر المذابح البشرية في وقتنا هذا وما أقل حيلتنا تجاهها. كما أنني تساءلت هل فعلاً ذبحت اللغة ؟ من نحرها؟ واين؟ ومتى؟ وكيف لم نحرك ساكناً حين ذبحت وسالت دماؤها في كل مكان. ثم تذكرت أن اللغة لا تنزف ولا تتألم.. وأهم من هذا كله، أنها ليست مذبوحة. المذبوح الحقيقي هو الكتاب العربي والرواية العربية، والذي فعلاً ينزف هو قلم الكتّاب العرب. اللغة ما هي الا وسيلة تواصل، دعونا لا نحمّلها أكثر مما تحتمل، فإذا كان التواصل باللهجة العامية كاف وواف فلتكن العامية لغتنا الأم وكتابتنا. قال فاروق شوشة خلال الندوة وهو أمين عام مجمع اللغة العربية في القاهرة: “نتكلم عن العامية بازدراء شديد وننسى أنها اللغة التي ربينا عليها وتعلمناها ونستخدمها..كما أنتجت (العامية) شعراء مبدعين مثل الرحابنة في لبنان وصلاح جاهين في مصر وغيرهم الكثير”
نعود للضحية الحقيقية وهو الكتاب..”نحن شعب لا يقرأ” سئمنا هذه العبارة على قدر صحتها. هل تسببت اللغة الفصحى في تراجع القراءة أم هل تسببت قلة القراءة بتراجع اللغة؟ كان في مصر منذ فترة قريبة تجارب عديدة في الكتابة العامية، أهمها كتاب تاكسي: حواديت المشاوير لخالد الخميس. حصد هذا الكتاب شهرة ونجاح كبيرين. لم يكن بالعامية 100% بل تخلله الكثير من الحوارات مع سائقي التاكسي (وهذا محور الكتاب) وكتبت هذه الحوارات بالعامية. لا أستطيع أن أتخيل أنه كان سيحقق نفس النجاح الكبير لو كتبت هذه الحوارات بالفصحى لأنها، وبدون أدنى شك، كانت ستخسر من مصداقيتها وروحها الشعبية العفوية. لحق تاكسي: حواديت المشاوير كتاب آخر بالعامية وتحول لاحقاً الى مسلسل “عايزة اتجوز” للمدونة غادة عبدالعال وحصد نجاحاً جميلاً، وغيرها الكثير من الكتب. الكتابة باللهجة العامية ليس بالجديد، فكان أول كتاب في مصر يُكتب بالعامية رواية “قنطرة الذي كفر” لمصطفى مشرفة كتبها في الأربعينيات وصدرت في طبعة أولى محدودة في أول الستينات.
شهدت الفورة الأخيرة للكتابة بالعامية والتي ساهم الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بترويجها، ارتفاع نسبة القراءة في الوطن العربي، خصوصاً في صفوف الشباب. وهذا أمر ليس فقط مقبول، بل مرحب به. فإذا كان دواء داء قلة القراءة هو الكتابة البسيطة فليكن ذلك. الكتابة البسيطة لا تعني الكتابة السطحية، فقد تحمل جملة واحدة مكتوبة بالعامية فكرة عميقة جداً يستلزم شرحها مقالات طويلة.
اللغة لا تحتاج لمن يدافع عنها، الكتابة هي المهددة والمعرضة للاغتيال. كل أنواع الكتابة مفيدة، كل الكتابات التي تشجع على القراءة مفيدة. الهدف هو تدفّق الأفكار ومشاركتها وتوليد أفكار جديدة ومناقشتها والانفتاح على رؤية جديدة تحررنا من قيود الفكر البالي والأزمات الوهمية التي تضيع وقتنا مثل أزمة اللغة. أزمتنا هي غياب الأفكار الجديدة والدم الجديد ليُضخ في عالمنا العربي حتى يتوقف النزيف الحقيقي.
خاص لـ (الهتلان بوست)