وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة
في الوقت الذي كان العالم فيه بحاجة إلى رسالة إيجابية تعبر عن الأمل وتضافر الجهود، جاء نجاح أول رحلة طيران حول العالم بالاعتماد على الطاقة الشمسية فقط ليستحوذ على اهتمامنا جميعاً، وفيما ينصبّ اهتمام وسائل الإعلام في الأغلب على الصراعات والانقسامات، كان من الملهم رؤية قصة نجاح تحظى باهتمام وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم، لتجسد ما يمكن تحقيقه عندما نسخّر الطاقة الإيجابية في خدمة الشراكة والتعاون لبناء مستقبل أكثر إشراقاً وسعادة واستدامة.
فمع هبوط طائرة سولار إمبلس 2 في أبوظبي في الساعات الأولى من فجر الثلاثاء الماضي، أكمل الطيار «برتراند بيكارد» مغامرة جريئة وطموحة لم يعتقد بإمكانية نجاحها إلا قلة قليلة، فعندما بدأ فريق سولار إمبلس البحث عن شركاء لهذا المشروع الطموح، اعتبر العديد من الخبراء، بمن فيهم كبار اللاعبين في صناعة الطيران، أن هذه المبادرة جريئة جداً ولا يمكن ضمان نجاحها، خاصة في ضوء الوزن الخفيف جداً للطائرة، وحجمها الكبير الذي يؤدي إلى صعوبة التحكم بها.
لكن القيادة الرشيدة في دولة الإمارات، وأبوظبي، وكذلك مصدر، والشركاء الاستراتيجيين للمبادرة، شجعوا الرؤية الطموحة لهذا المشروع الرائد، وكانت النتيجة هي إثبات أن المستحيل قابل للتحقيق، عندما تتضافر الجهود والطاقة الإيجابية لمواجهة التحديات والعمل على حلها من خلال المثابرة والعمل الدؤوب.
ولطالما كانت دولة الإمارات تقوم بدور الحافز والمشجع للابتكارات التي تحقق تقدماً للبشرية، خاصةً في مجال الطاقة والتقنيات النظيفة، وتم تأسيس «مصدر» لتوسيع آفاق التفكير حول الاستدامة وتطبيق حلول الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة، وجاء التعاون مع سولار إمبلس كأحدث مثال على التزام دولة الإمارات بالاستمرار في رفع معايير ما يمكن تحقيقه على أرض الواقع إلى مستويات أعلى.ومن خلال المتابعة المباشرة ودعم سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كانت أبوظبي شريكاً طبيعياً لسولار إمبلس، وتم اختيارها لتكون نقطة الانطلاق والختام لهذه المبادرة الفذة والفريدة من نوعها.
وبما أنها تحتوي على مقعد واحد وقمرة قيادة غير مضغوطة وتحلق على ارتفاعات تقترب من 30,000 قدم، كانت سولار إمبلس تحدياً واختباراً غير مسبوق للشجاعة والقدرة على التحمل، ورغم هذه التحديات، فقد حفلت الرحلة بالعديد من الإنجازات، حيث حلق الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للمشروع «أندريه بورشبيرج» مدة خمسة أيام من اليابان إلى هاواي، مسجلاً رقماً قياسياً لأطول رحلة مستمرة في تاريخ الطيران، ظل خلالها مستيقظاً ما عدا غفوات متقطعة لا تزيد كل منها على عشرين دقيقة، وحافظ على التأهب واليقظة بقية الوقت من خلال تقنيات مثل التأمل والتنويم المغناطيسي الذاتي وقوة الإرادة.
إن الجهود التي ساعدت على نقل سولار إمبلس من مخطط أولي إلى قصة نجاح تقدّم لنا مثالاً حياً عمّا يمكن تحقيقه عندما يوحد الناس جهودهم حول هدف واحد، فقد نجحت سولار إمبلس، بجناحيها اللذين يزيد طول المسافة بينهما على جناحي طائرة بوينج 747 وبوزن سيارة خفيفة لا يزيد على 2300 كغ، في إثبات العديد من المفاهيم العلمية الجديدة التي لا تقتصر على استثمار الطاقة الشمسية، ولكنها أثبتت أيضاً التأثير التطويري للمواد المركبة الخفيفة والتصميم الفعال، وتنسجم هذه المفاهيم تماماً مع مساعي دولة الإمارات لدمج التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة في المزيج العالمي للطاقة.
كما نجح هذا المشروع التعاوني بين دولة الإمارات وسويسرا في تسليط الضوء على ضرورة توحيد الجهود لإيجاد حلول للتحديات المشتركة، وكذلك على أهمية بناء الجسور بين الثقافات لما فيه مصلحة الجميع. وخلال رحلتها التاريخية التي بلغت 22،000 ميل حول العالم، تم استقبال سولار إمبلس 2 بمزيج من الإعجاب والاحترام والتقدير في كل مكان، من الشرق الأوسط إلى آسيا وأمريكا وأوروبا وإفريقيا، وساهمت في فتح آفاق جديدة وتوسيع مفهوم ما يمكن تحقيقه، فضلاً عن تقديم الإلهام لتوسيع حدود الابتكار أكثر من ذي قبل. ويؤكد دعم دولة الإمارات لسولار إمبلس التزامنا بالعمل الإيجابي لمعالجة القضايا العالمية، واستعدادنا لمواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص تساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
وفي الوقت الذي يتم فيه تضخيم الاختلافات بين الناس والثقافات، أثبتت الشراكة مع سولار إمبلس أن ما يوحد المجتمعات البشرية هو أقوى بكثير مما يفرقها، وأنه عندما يحتاج العالم إلى حلول للتحديات المعقدة يمكن تحقيق نتائج مبهرة عندما تتحد الإرادة لتذليل العقبات، وأن التعاون الإيجابي هو العنصر الأساسي كي تحقق البشرية خطوات جديدة على طريق التقدم.
إننا في دولة الإمارات فخورون بأن توجيهات القيادة مكّنتنا أن نكون شريكاً ومحفزاً ساهم في تقديم قيمة إضافية من خلال سولار إمبلس، وكذلك نفخر بأن أبوظبي لعبت دوراً رئيسياً كمدينة مضيفة لهذه المبادرة الطموحة والناجحة، وإلى جانب مبادرة «مصدر» واستضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، تعد الشراكة مع سولار إمبلس تعبيراً ملموساً عن التزامنا الراسخ بالتنمية المستدامة، فأبوظبي هي المكان الذي شهد انطلاقة وختام هذه الرحلة التاريخية في عالم الطيران. وعلينا مواصلة النظر إلى المستقبل؛ لأن نهاية رحلة سولار إمبلس ما هي إلا بداية جديدة للاستمرار في العمل على إيجاد حلول مبتكرة للتحديات العالمية وبناء غدٍ أفضل لأجيال المستقبل.
المصدر: الخليج