أثارت تصريحات المتحدث باسم عملية “العزم الصلب” ستيف وارن، حول استخدام سلاح المدفعية في محاربة “تنظيم داعش”، استفهاماً رئيسياً حول ما إذا كان “التحالف الدولي” قد بدأ فعلياً بمرحلة “العمليات البرية”، أم لا؟.
وارن قال خلال موجز صحفي عقده عبر دائرة تلفزيونية من بغداد مع صحفيين في واشنطن: إن “التحالف الدولي استخدم سلاح المدفعية الأمريكي، انطلاقاً من الأردن، خلال مساندته مقاتلي المعارضة السورية للسيطرة على قاعدة تابعة لتنظيم داعش، عند معبر تنف الحدودي بين العراق وسوريا”.
ووظّف “التحالف الدولي”، في عملية السيطرة على “معبر تنف”، منظومة “المدفعية 142″، سريعة التنقل، التي يبلغ مدى قذائفها 300 كم، انطلاقاً من القطاع العسكري الأردني الشمالي، فيما شارك عناصر “جيش سوريا الجديدة”، بغطاء جوي، في عملية السيطرة على الأرض.
الكشف عن تفاصيل عملية “معبر تنف”، يؤشر على إدخال “التحالف الدولي” لتكتيكات قتالية جديدة في محاربة “تنظيم داعش”، التي ظلت متوقفة على “القصف الجوي” منذ سبتمبر 2014.
السلطات الأردنية تجنبت الحديث “رسمياً” بشأن استخدام “المجال البري” في أية عمليات عسكرية تستهدف “تنظيم داعش”، بيد أن مسؤول رفيع أبلغ “اليوم” بـ “تغير طرأ على الموقف الأردني في أعقاب تجاهل نظام بشار الأسد وحلفائه لمخاوف أردنية من نتائج عملية عسكرية، يجري الإعداد لها، تستهدف الجنوب السوري، وهو ما دفع الأردن للسماح باستخدام مجاله البري في استهداف داعش”.
المسؤول الأردني قال إن “نظام الأسد وحلفائه استفادوا من وقف إطلاق النار في تحشيد قوات نظامية، شمال السويداء، لشن حملة عسكرية كبرى في محافظة درعا وريفها، غايتها استعادة السيطرة في الجنوب السوري”.
ويشير المسؤول، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أن “حملة عسكرية كبرى في الجنوب السوري تعني بالضرورة فرار مقاتلين تابعين لتنظيمات متشددة باتجاه الأردن، بحثاً عن ملاذ آمن، إضافة إلى ما قد تسببه من موجة لجوء جديدة للسوريين الفارين من ويلات الحرب”.
ويرى المسؤول الأردني أن “استخدام المنظومة الصاروخية الأمريكية، في قصف تنظيم داعش في سورية، إجراء جديد وغير مسبوق، ويحمل رسائل متعددة، سواء لتنظيم داعش أو للنظام السوري، الذي يستعين بمليشيات إيرانية إرهابية، تعتبرها الأردن خطراً على الأمن الوطني والقومي”.
ويعارض الأردن تنفيذ حملات عسكرية في الجنوب السوري تؤدي إلى اختلال الموازين على الأرض بما يهدد استقراره، وكذلك يرفض وجود مليشيات إيرانية أو موالية لإيران على طول حدوده الشمالية، وهو ما أكده رئيس الوزراء د. عبد الله النسور، في حديث لأعضاء البرلمان حضرته “اليوم”، قال فيه إن “الأردن تسعى إلى تجنب عملية عسكرية ضخمة في جنوب سوريا”.
تقييم وارن لـ “القصف الصاروخي” جاء إيجابياً على مستويين، الأول: “قدرة واشنطن على العمل مع المعارضة المتواجدة جنوبي سوريا ودعمها ضمن خطط محددة سلفاً”، والثاني: “القدرة على استخدام المنظومة الصاروخية في مختلف الأحوال الجوية وبدقة عالية جداً، تضاهي دقة الغارات الجوية لطيران التحالف الدولي”.
ولم يخفي وارن نية التحالف الدولي “مواصلة العمل بالآلية الجديدة”، الأمر الذي يعني بالضرورة “استخدام المجال البري الأردني كنقطة انطلاق للصواريخ”، وربما “نقطة انطلاق لقوات برية في مرحلة لاحقة”، وهو ما تتجنب السلطات الأردنية الحديث بشأنه.
في وقت سابق، علمت “اليوم” بوجود “آليات عسكرية برية” لقوات أمريكية على الجبهة الأردنية الشمالية، وذلك قبيل توقيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لـ “قانون التعاون الدفاعي” مع الأردن، الذي جاء متزامناً مع تحذير نظام الأسد للأردن من مغبة التدخل عسكرياً في الأراضي السورية.
تحذير الأسد تضمن تهديداً رسمياً وصريحاً باستهداف القواعد والمطارات العسكرية الأردنية حال استضافت قوات برية غايتها دخول سوريا، وهو التهديد الذي صمتت عنه الحكومة الأردنية.
مرجعية أردنية عليا نقلت لـ “اليوم” أن “الأردن أبلغ واشنطن وموسكو أنه لن يقف مكتوف الأيدي إذا نفّذ نظام الأسد وحلفاءه عمليات عسكرية في الجنوب قد تؤثر على الأمن الحدودي وتتسبب بموجة لجوء جديدة”.
وحول خيارات الأردن، قالت المرجعية العليا إن بلادها قد تلجأ إلى “استنساخ التجربة التركية في شمال سوريا”، لحماية مصالحها الوطنية وأمنها الحدودي.
التجربة التركية في شمال سوريا تضمنت إدخال قوات برية لإبعاد خطر المليشيات الكردية، الموالية للأسد، عن حدودها، وإمداد مليشيات معارضة بالسلاح.
ورغم أن إدخال الأردن لقوات برية إلى جنوب سوريا لا زال بعيداً، إلا أن الشق الثاني من التجربة التركية بدأ فعلياً، فالسيطرة على “معبر تنف” تمت بمشاركة عناصر من “جيش سوريا الجديدة”، الذي تلقى تدريبات عسكرية على الأرض الأردنية بإشراف أمريكي مباشر.
يأتي ذلك متزامناً مع اجتماعات يعقدها حالياً رئيس هيئة الأركان الأردنية المشتركة الفريق مشعل الزبن مع كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين في إطار “اللجنة العليا للتعاون العسكري الأمريكي – الأردني”، وفق بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية.
بيان القوات المسلحة الأردنية، الذي تسلمت “اليوم” نسخة عنه، أشار إلى أن الفريق الزبن “سيبحث تعزيز التعاون في المجالات العسكرية، وآخر التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية”.
ويرى الأكاديمي والخبير في الشأن السوري والإيراني د. نبيل العتوم أن “الوضع في جنوب سوريا مقلق للغاية، فنظام الأسد وحلفاءه على الأرض يسعون إلى إعادة ترتيب صفوفهم، مستفيدين من سكون جبهات القتال خلال الهدنة”.
ويبدي العتوم، في حديث لـ “اليوم”، قلقاً كبيراً حيال التهديدات على حدود الأردن الشمالية، التي تتضمن طيفاً متنوعاً من المليشيات المسلحة، الأمر الذي “يعقد من خيارات الأردن، خاصة في حال نفّذ الأسد وحلفاؤه هجوماً كبيراً في الجنوب السوري”.
وحيال الموقف الأردني يقول العتوم إن “الأردن مستعدة لكل الخيارات المفتوحة، سواء على الجبهة الخارجية أو الداخلية”، لافتاً إلى تهديد بعيد يتمثل في “سعي إيران إلى توطين جنسيات شيعية أفغانية وباكستانية في سوريا، ما يعتبر تهديداً مباشراً للمملكة”.
المصدر: صحيفة اليوم