كاتب وإعلامي سعودي
يدور في أروقة مجلس الشورى، أن لجنة الموارد البشرية في المجلس قد أيدت المقترح الذي تقدم به عضو المجلس الدكتور أحمد الزيلعي، الذي يطالب فيه أن يتم تعديل على المادة الـ13 من نظام الخدمة المدنية، والتي تمنع الموظف الحكومي من العمل بالتجارة خلال فترة عمله بالحكومة، وقد لاقى هذا المقترح تأييداً وجدلاً داخل المجلس وخارجه، لما له من علاقة مباشرة بحياة الآلاف من موظفي الدولة، ولاسيما ذوي المراتب المتدنية والمتوسطة من معاناة حياتية مستمرة، أولاً: بسبب أن رواتب الكثير منهم لا تفي بمتطلبات حياتهم، ولاسيما مع الزيادة المستمرة بمستوى التضخم، المتمثل في زيادة الأسعار للضرورات الحياة، على رغم محاولة وزارة التجارة والبلديات بضبط الأسعار، ولكن هذه العملية تحتاج إلى فترة طويلة حتى نشاهد نتائجها على أرض الواقع.
وللمعلومية أن نظام الخدمة المدنية وفي مادته التي تمنع موظف الدولة من مزاولة التجارة، لم يطرأ عليه تغير منذ حوالى 40 عاماً، على رغم أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية شهدت تغيرات جذرية في هذين القطاعين، ولكن من يعرف مثلاً أن نسبة الفقر زادت في مجتمعنا خلال الأعوام القليلة الماضية؟ بحسب الإحصاءات الرسمية، مع تقلص الطبقة الوسطى، ومثل هذه المعطيات تمثل خطراً على أي مجتمع في العالم، وقد تكون مقبولة في دول فقيرة، ولكن في حالنا فالدولة ومثله القطاع الخاص تعتبر ذات موارد مالية مرتفعة جداً، فالمملكة عضو في مجموعة الـ20 الاقتصادية، وهذا لم يأتِ من فراغ، إضافة إلى أننا نجد الشركات والمصارف السعودية تقدر أرباحها بالبلايين كل عام، ونقرأ عدداً من السعوديين يتصدرون قائمة الأثرياء في العالم كل عام.
في المقابل نجد المطالبات المتكررة على مواقع التواصل الاجتماعي بزيادة رواتب موظفي الدولة، وهو ما يعني أن هناك خللاً ما؟ فهل يعقل أنه في بلدنا ملايين الأجانب؟ يصل عددهم إلى أكثر من 8 ملايين أجنبي، وفي الوقت نفسه نجد نسبة البطالة ليست بالقليلة بين المواطنين، وما يترتب على ذلك من خسائر فادحة على اقتصادنا الوطني، وأقلها مثلاً تحويلات العمالة للخارج التي تتعدى 100 بليون ريال سنوياً. على مجلس الشورى أن يسرع ويقر هذا المقترح، ويرفعه إلى الجهات العليا، حتى تتم الموافقة عليه وإقراره، لأنه في حال إقراره سوف يقضي على التستر، ومظاهر الاقتصاد الخلفي غير الرسمي -التي نراها الآن-، ولاسيما في مجالات التجارة الصغيرة والمتوسطة، والتي هي في الغالب مسجلة بأسماء مواطنين، وقد يكون الكثير منهم موظفين في القطاع العام، فلو تم إقرار مثل هذه المقترح وسُمح لهم بمزاولة التجارة بشكل رسمي، لشجعناهم على ممارسة العمل الخاص، وقد تكون بداية مداخيل لهم، وقد ينجح الكثير منهم في هذا المجال، ومن ثم سيقدم بعضهم على التقاعد المبكر، أو حتى ترك الوظائف الحكومية في سن مبكرة، وهو ما يعطي المجال للخريجين الشباب للالتحاق بالوظائف الحكومية، وهذا سيقلل من نسبة البطالة لدينا أولاً، وثانياً: سيقلل من الأعداد العاملة التي تدير كثيراً من الأنشطة التجارية، ويحصل المواطن -وهو في الغالب موظف حكومي، مسجل تلك الأنشطة باسم أحد أقاربه- على نسبة بسيطة من دخل تلك الأنشطة، أما الأجنبي فيحصل على مبالغ لا يمكن تصورها. فلماذا نقف كثيراً عند هذه المادة في نظام الخدمة المدنية؟ فالتغير مطلوب بحسب تغير الظروف، وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن مثل هذه الأنظمة الإدارية التي عفا عليه الزمن، قد دفعت بعضهم من موظفي القطاع العام إلى الانخراط بعمليات التستر التجاري، وتسجيل أنشطة تجارية بأسماء زوجاتهم أو أحد أقاربهم، ومن يعمل بها هو الأجنبي، وهذه -للأسف- هي الحال في معظم الأحيان.
بعضهم يعارض هذا المقترح، ويرى أنه قد يفتح الباب واسعاً للفساد، بسبب تضارب المصالح بين من يقوم بوظيفة عامة، وهو أجير عليها ويُدفَع له في مقابلها، ولكن واقع الحال أننا ومن خلال هذه الأنظمة دفعنا الكثير من موظفي الحكومة إلى عمليات التستر والكذب وعدم الشفافية، فلماذا مثلاً لا توضع ضوابط وشروط محددة لموظفي الدولة الراغبين في مزاولة التجارة، تكون واضحة للجميع، ويمنع على بعض من يعملون في بعض الأقسام، ولاسيما ذات العلاقة بالشؤون المالية والمقاولات، وبعض المهن الحساسة من مزاولة التجارة، في المقابل علينا فتح المجال لأصحاب المداخيل المتدنية وتشجيعهم بالانخراط والجمع ما بين العمل الحكومي والتجاري.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel