ستحتاج السعودية إلى سعر برميل لنفط برنت في العام المقبل أعلى من هذا العام عند حدود 90 دولارا للبرميل إذا ما أرادت أن تواصل إنفاقها من دون أن تسجل ميزانيتها أي عجز بحسب استطلاع لآراء 5 اقتصاديين محليين قامت به «الشرق الأوسط»، والذي أظهر كذلك أن ميزانية المملكة في العام المقبل من الصعب أن تشهد عجزا إذا ما ظل أغلب الإنفاق الحكومي موجها إلى الداخل.
وتوقع جميع الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع، أن تشهد الميزانية السعودية فائضا في العام المقبل، إلا أنه سيكون أقل من الفائض المتوقع هذا العام، ليخالفوا بذلك توقعات حديثة لصندوق النقد الدولي قال فيها، إن المملكة ستشهد عجزا في الميزانية في 2015 وستضطر للسحب من احتياطاتها الخارجية.
وتوقع الاقتصاديون أن تتراوح نسبة الفائض إلى الناتج المحلي بين 1 في المائة و5 في المائة في العام المقبل، وهي نسبة أقل من الفائض المتوقع في 2014 والمقدرة بنسب تتراوح بين 2.8 في المائة في أقل تقدير و5 في المائة في أعلى تقدير لهم، ولكنها نسب أعلى من النسبة التي توقعها صندوق النقد لنسبة الفائض السعودي عند 2.5 في المائة.
ويرى الاقتصاديون أن سعر الـ90 دولارا اللازم لمعادلة الميزانية يمثل ارتفاعا عن العام الماضي بسبب الارتفاع المتوقع في قيمة الإنفاق الحكومي، إذ توقع جميعهم أن تقوم المملكة بزيادة إنفاقها بسبب زيادة المشروعات التنموية ومشاريع البنية التحتية. وكانت توقعاتهم جميعا أن يتراوح سعر المعادلة هذا العام بين 85 و89 دولارا، وهو سعر أعلى من ميزانية 2013.
ويراقب المحللون والسوق النفطية باهتمام قيمة سعر التعادل للميزانية السعودية كل عام نظرا لأنهم يتوقعون أن يكون هذا السعر هو سعر النفط الذي تحاول المملكة الحفاظ عليه بواسطة إنتاجها، وهو الأمر الذي نفاه وزير البترول السعودي علي النعيمي في أكثر من مناسبة قائلا، إن سعر النفط تحدده السوق، والمملكة لا تربط بين سعر المعادلة في الميزانية والسعر الذي تراه مناسبا للمنتجين والمستهلكين.
واستبعد 4 من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع أن تهبط أسعار نفط برنت إلى مستوى أقل من 95 دولارا نظرا لأن السعودية وباقي المنتجين في أوبك أو حتى في خارجها سيكون لهم ردة فعل إذا ما هبطت الأسعار إلى أقل من هذا المستوى، فيما توقع واحد فقط أن تصل الأسعار إلى 90 دولارا بسبب الزيادة المتوقعة في المعروض النفطي والتراجع الحاصل حاليا في الطلب العالمي على النفط.
ويرى 3 من الاقتصاديين أن أكبر تهديد يواجه الميزانية في العام المقبل هو الإنفاق على الالتزامات والمساعدات الخارجية لأن هذا بند خارج البنود الأساسية وغير خاضع للحسابات.
وكانت الحكومة أطلقت مشروعات ضخمة باهظة التكاليف للبنية التحتية وينذر تراجع أسعار النفط بتقليص عائدات الدولة. وفي الوقت نفسه تنفق السعودية بسخاء على المساعدات إلى بلدان عربية أخرى للحفاظ على الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة.
ويعلق الدكتور فهد التركي، كبير الاقتصاديين في «جدوى للاستثمار»، وهو أحد من شملهم الاستطلاع على هذا الأمر، قائلا: «لن نشهد عجزا قبل 2016، وإذا ما ظل الإنفاق موجها للداخل ويسير بنفس الوتيرة وعلى نفس البنود، فإن الأمور ستسير على ما يرام، أما إذا حدثت مفاجآت وتوسعت الحكومة في المساعدات والالتزامات الخارجية فإننا سنشهد عجزا قبل 2016 وليس من المستبعد أن نشهده هذا العام».
ولا تزال الميزانية السعودية في وضع جيد، بحسب التركي، نظرا لأن هناك 3 أهداف حققتها الحكومة تجعل الاقتصاد السعودي في مأمن من تقلبات سوق النفط، وأولها هو تركيز الإنفاق على البنية التحتية والإنفاق الاجتماعي، مما يبقي النمو الاقتصادي مستمرا، أما الثاني فهو تراكم الاحتياطات الأجنبية لمؤسسة النقد التي يمكن السحب منها عند اللزوم. أما الهدف الثالث فهو تخفيض الدين العام.
ويقول التركي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأهداف أو الإنجازات الثلاثة، إن صح التعبير، تجعلني مطمئنا حيال الميزانية. نعم لو كنا في التسعينات فسأكون قلقا من تقلبات أسعار النفط، ولكن الآن بفضل هذه الأهداف التي جرى تحقيقها فلست قلقا».
وبفضل السياسات التي اتبعتها الحكومة فإنه من المتوقع أن يزداد صافي الموجودات الخارجية لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى 768.5 مليار دولار في عام 2014 من 716.7 مليار دولار العام الماضي.
أما الاقتصادي الدكتور إحسان بوحليقة الذي يرأس شركة «جواثا للاستشارات» في العاصمة الرياض فيقول، إن المملكة لن تستطيع كبح جماح الإنفاق في العام المقبل لأن أغلب إنفاق الحكومة إنفاق رأسمالي على مشروعات يجب استكمالها، كما أن هناك إنفاقا ضروريا على برامج التنمية المتوازنة، وهذه لا يمكن التخلي عنها.
ويقول بوحليقة، وهو رئيس سابق للجنة المالية في مجلس الشورى السعودي، إن الإنفاق الفعلي سيكون مقبولا؛ إذ ظل في معدل زيادة قدره 15 في المائة عن الإنفاق المتوقع، إذ إنه من الطبيعي أن يزيد الإنفاق الفعلي نهاية كل عام على الإنفاق المتوقع بسبب بنود خارج الميزانية. ويرى بوحليقة أن الإنفاق الخارجي هو أصعب بند خارج الميزانية لأنه «ذو نهاية مفتوحة».
ويرى أحد الاقتصاديين أن المملكة ستنفق 915 مليار ريال في ميزانية العام المقبل، بينما يراها اثنان في حدود 850 مليار، في حين توقع اثنان آخران أن تكون في حدود 860 مليار ريال.
وكان صندوق النقد في تقريره الصادر بتاريخ 23 سبتمبر (أيلول) عقب المشاورات السنوية مع الحكومة قد حث السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، على تهدئة النمو السريع في إنفاقها على مدى سنوات. ورسم التقرير صورة شديدة التشاؤم لضغوط مالية على المملكة تلوح في الأفق نذرها.
وقال التقرير، إن الحكومة قد تسجل عجزا في الميزانية قدره 1.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015 بدلا من فائض قدره 4 في المائة كان صندوق النقد قد تنبأ به في الآونة الأخيرة في أبريل (نيسان).
وقال صندوق النقد الدولي، إن المالية العامة للمملكة العربية السعودية قد تشهد عجزا العام المقبل، وإن هذه الدولة قد تبدأ السحب من احتياطاتها الضخمة من النقد الأجنبي إذا لم تكبح جماح النمو للإنفاق الحكومي.
وقبل ذلك كان الصندوق تنبأ بأن السعودية لن تسجل عجزا في الميزانية إلا في عام 2018. وقال أحدث تقارير الصندوق، إن عجز الميزانية من المرجح أن يزداد إلى 7.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2019. وسجلت الرياض آخر مرة عجزا في الميزانية في عام 2009 حينما هوت أسعار النفط فترة قصيرة بسبب الأزمة المالية العالمية.
وقال صندوق النقد الدولي، إنه بسبب الإنفاق الحكومي المرتفع فإن سعر النفط الذي تحتاج إليه الحكومة لتحقيق توازن الميزانية ارتفع إلى 89 دولارا للبرميل في عام 2013 من 78 دولارا في عام 2012. ولكن أسعار النفط سارت في اتجاه سلبي بالنسبة للسعودية في الأشهر القليلة الماضية. ويرى صندوق النقد الدولي على نقيض ما تذهب إليه التنبؤات العلنية للمسؤولين السعوديين أن الاتجاه النزولي للأسعار قد يستمر.
وتنبأ التقرير أن السعودية ستبيع نفطها الخام بسعر 101.6 دولار للبرميل في عام 2015، و91.8 دولار فحسب في عام 2019.
وقال التقرير إنه في الوقت نفسه زادت ارتباطات السعودية الخاصة بالمساعدات الخارجية زيادة كبيرة، فقد تعهدت بتقديم 22.7 مليار دولار مساعدات مالية بين يناير (كانون الثاني) 2011 وأبريل 2014، وصرفت من هذا المبلغ 10.9 مليار دولار معظمها لمصر.
الخبر: وائل مهدي – الشرق الأوسط