الأزمة القطرية تتفاقم وأجواء الدسائس تخيم على الدوحة

أخبار

«يبدو أن الأزمة تزداد سوءاً.. ومن غير المحتمل حلها قريباً»، حكمٌ قاطع ورد في ثنايا تقرير إخباري مطول أعدته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية من قلب العاصمة القطرية الدوحة التي تزداد عزلتها يوماً بعد يوم بفعل تعنت حكومتها ورفضها قبول مطالب الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب.

ويشير معد التقرير ديكلَن وولش إلى «أجواء الدسائس» التي تسود هذه المدينة، في ضوء أنها تضم «أبطال صراعات لا حصر لها»، وذلك في إشارة إلى العدد الكبير من الشخصيات المتطرفة والداعمة للإرهاب والمثيرة للجدل التي تسمح لها الحكومة القطرية بالإقامة في الدوحة.

يبدأ الرجل جولته من قلب أحد الأحياء المُقامة على طابع غربي في العاصمة القطرية، حيث يوجد – بحسب تقريره – عددٌ من مسؤولي حركة طالبان الأفغانية وأسرهم، يتسوقون أو يبتاعون أطعمة من أماكن تقع غير بعيد – للمفارقة – عن مبانٍ تضم فروعاً لجامعات أميركية.
من بين التناقضات التي تضمها الدوحة كذلك – وفقاً لتقرير «نيويورك تايمز» – أن الأسواق التي يرتادها مسؤولو الحركة الأفغانية المسلحة لا تبتعد سوى أميال قليلة عن قاعدة «العديد» التي يتمركز فيها آلاف الجنود الأميركيين، ممن يشاركون في عمليات وضربات لا تقتصر على العراق وسوريا فحسب، بل وتشمل استهداف مواقع «طالبان» في أفغانستان أيضاً!

أكثر من ذلك، فبالقرب من مقر السفارة البريطانية في العاصمة القطرية، تقع دورٌ فاخرة يقطن فيها مسؤولون في حركة حماس الفلسطينية، التي تُصنّف إرهابيةً في عدد من دول العالم، ولا تلقى قياداتها ترحيباً في دول غربية مثل بريطانيا مثلاً.

ولكي تكتمل الصورة، تشير الصحيفة الأميركية في تقريرها إلى حقيقة إقامة إسرائيل مكتب تمثيل تجاري في الدوحة بين عامي 1996 و2008. وتلفت النظر إلى أن موقعه كان يبعد أقل من ميل عن الديوان الأميري. ويشير التقرير إلى تعهد قطر بأن تشارك إسرائيل في كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها أراضيها، حال تأهل المنتخب الإسرائيلي إليها.

وتخلص «نيويورك تايمز» للقول إن كل ذلك جعل الدوحة موصومة بأنها مركزٌ «لتجاهل العهود والاتفاقيات» في الشرق الأوسط بأسره.

وفي مسعى لسبر غور هذا المسلك القطري المثير للقلاقل والمُزعزع للاستقرار، تنقب الصحيفة الأميركية في تاريخ قطر، لتقول إن سياسة قياداتها الحالية في استضافة كل هذه الشخصيات المتناقضة والمثيرة للجدل ترجع إلى القرن التاسع عشر، عندما كانت أراضي هذا البلد ملاذاً لـ«المجرمين والقراصنة» في شبه الجزيرة العربية.
ونقلت «نيويورك تايمز» عن الباحث البريطاني المتخصص في الشؤون الخليجية د. دافيد روبرت قوله إن قطر شكلت في ذلك الوقت «بقعةً ينتهي مطاف المتشردين واللقطاء والأشخاص غير المرغوب فيهم إليها».

وتشير الصحيفة إلى أن هذا الأمر بات سياسةً لحكام قطر منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، في إشارة لا تخطئها العين إلى توقيت الانقلاب الذي نفذه الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في يونيو 1995 وأطاح فيه والده خليفة بن حمد.

فمنذ ذلك التاريخ فتحت قطر أبوابها – كما تقول «نيويورك تايمز» أمام منشقين ومنفيين من مختلف المشارب والتوجهات، من بينهم أسرة الديكتاتور العراقي الراحل صدام حسين، بجانب أحد أبناء أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة الإرهابي، بل وفُتح الباب أيضاً أمام القيادي الشيشاني سليم خان يندرباييف، الذي قُتل بعد ذلك في الدوحة على يد عملاء للاستخبارات الروسية في عام 2004.

وفي إشارة ذات دلالة واضحة، لا يغفل تقرير الصحيفة الأميركية المرموقة ذكر أن قتلة هذا الرجل اعتقلوا فيما بعد ورُحِّلوا إلى روسيا، دون أن يتحدث عن أي محاكمة أُقيمت لهم على الأراضي القطرية لمحاسبتهم على جريمة القتل التي اقترفوها. وربط التقرير بين السياسات القطرية المتبعة في هذا الشأن وبين الأزمة الحالية التي يثيرها رفض الدوحة الكف عن اللعب بالنار في الخليج. ويقول إن سياسة «الباب المفتوح» أمام المتشددين ودعاة الإرهاب التي تنتهجها قطر تغضب الدول المجاورة لها، وكانت من بين العوامل التي أشعلت الأزمة الراهنة، التي تستعرض الصحيفة الأميركية الجهود الغربية التي بُذلت لاحتوائها دون جدوى، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، كلٍّ على حدة.

وأبرزت «نيويورك تايمز» ما تؤكده الأطراف الرافضة للسياسات التخريبية لقطر، من أن هذا البلد لا يضطلع بدورٍ محايد بين أطراف الصراعات التي يقول إنه يتوسط لحلها، وإنما ينحاز لجهاتٍ على حساب أخرى. وتشير في هذا الصدد إلى «غض الطرف» من قبل الحكومة القطرية عن أثرياء البلاد الذين ضخوا أموالاً لدعم الجماعات المتطرفة الناشطة في سوريا.

من جهة أخرى، تطرح الصحيفة الأميركية تساؤلاتٍ حول الدور الذي يلعبه مسؤولو طالبان المقيمون في قطر، وتشير إلى أنه على الرغم من أن طرد هؤلاء المسؤولين من الدوحة، لم يُدرج على قائمة المطالب المطروحة على قطر، فإن وجودهم في هذا البلد يثير نقاشاً حول فوائد سياسة «الباب المفتوح» التي تقول الحكومة القطرية إنها تنتهجها.

المثير أن عدد مسؤولي طالبان الموجودين في الدوحة ليس بالقليل، فتقرير «نيويورك تايمز» ينقل عن مسؤول أفغاني قوله إن نحو 100 من عناصر هذه الحركة المسلحة وأسرهم يقيمون في الدوحة «في بحبوحة من العيش على نفقة الدولة القطرية».

ونسبت الصحيفة إلى خبراء في الشأن الأفغاني إعرابهم عن شكوكهم، في أن وجود تلك العناصر في العاصمة القطرية لم يسهم في إنهاء الحرب في أفغانستان وإنما في تأجيجها سراً على ما يبدو، في ضوء أن مباحثات السلام التي جرت عامي 2015 و2016 لإنهاء القتال في الأراضي الأفغانية، تزامنت مع تواصل المعارك هناك بلا هوادة. وأشار أحد هؤلاء الخبراء إلى أن قيادات طالبان ممن توفر لهم قطر الملاذ والمأوى، يستخدمون وجود موطئ قدم لهم في الخليج، من أجل السعي لجمع الأموال والحصول على الشرعية، ويؤكد هذا الخبير أن عدم تطرق هذه القيادات للقضايا الجوهرية المتعلقة بإحلال السلام في أفغانستان يجعل بوسع المرء القول إن «مبادرة قطر (حيالهم) تجعل الأمور أكثر سوءاً». وتختتم الصحيفة الأميركية جولتها في عاصمة «الإمارة المعزولة» بفعل سياسات قياداتها بذكر مشهد مفعم بالدلالات، لرجلين تركيين ذويا بنية رياضية، يدخلان مصعد أحد الفنادق بالدوحة قائلين بوضوح إنهما سعيدان لوجودهما بالعاصمة القطرية، دون أن يتورعا عن الجهر بكونهما يعملان في «قطاع الدفاع»، ولكن من دون إضافة أي تفاصيل أخرى في هذا الصدد.

ويبدو أن «نيويورك تايمز» رأت أنه لا حاجة إلى تفسير مثل هذا المشهد في ضوء التصريحات العلنية التي تصدر من الدوحة وأنقرة بشأن الوجود العسكري التركي على الأراضي القطرية بزعم الدفاع عنها، وهو وجود يتناقض بشدة مع تذرع حكومة الدوحة بدعاوى «السيادة» لرفض المطالب التي قدمتها لها الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، من أجل حملها على العودة إلى الصفيّن الخليجي والعربي ونبذ سياساتها الطائشة التي تزعزع الاستقرار الإقليمي.
المصدر: الاتحاد