كان العام ٢٠١١ مهيأ بالفعل لكل ما حدث؛ آفاق مسدودة في عيون الشباب العربي في مختلف العواصم، وثورة اتصالية جديدة تم استثمارها لبناء منصات للأصوات الغاضبة وحالة من ترقب الفرصة للانقضاض على كل ذلك من القوى ذات الطموحات التوسعية في المنطقة.
لا مبادرات ولا خطط ولا قيادات تقدم شيئا جديدا، فكان الشارع قابلا للتثوير واستخراج أسوأ ما فيه من تطرف وحدة وعنف.
تحولت الدوحة إلى جهاز مالي وإعلامي وسياسي في قلب المنطقة لإدارة ذلك الخراب، وأخذت طهران خطواتها ضمن مشروعها القائم أصلا والمتمثل في تصدير الثورة، بينما اتجه النظام التركي للتحالف مع المشروع والدفاع عنه والبحث عن نفوذ جديد في المنطقة.
ولأن الثورة أصلا وبذلك النموذج الذي شهدته العواصم العربية لم يعد نموذجا صالحا للتغيير ولا أداة يمكن أن تبني مستقبلا، ولأن الفوضى التي اشتعلت كانت خرابا ودمارا وتطرفا لم تعرفه المنطقة منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية، ولأن دول الاستقرار في المنطقة وجدت أنها أمام لحظة تاريخية تستدعي موقفا محوريا في إعادة الاستقرار ودعم الدولة الوطنية، لكل ذلك انهار المشروع في كثير من تلك العواصم ولا ترال عمليات إخماد الحرائق قائمة في عواصم أخرى.
كانت المنطقة بحاجة للغة جديدة ووعي جديد يخرج بها من حالة الرتابة والخوف من المستقبل إلى أعلى مستويات الحيوية والانطلاق إلى المستقبل بدلا عن الخوف منه، ولن يحدث ذلك إلا ببناء الدولة الوطنية والدفاع عنها والعمل على جعل الإقليم مستقرا خاليا من التطرّف والأهداف التوسعية وقادرا على التأثير والمبادرة، ولكي يصبح ذلك مؤثرا فلا بد أن يصدر عن كيان مؤثر وفاعل في المنطقة.
لم تلبث الرؤية السعودية ٢٠٣٠ أن أصبحت أضخم مشروع مستقبلي في المنطقة، وكان للنموذج التنموي الاقتصادي الإماراتي أفضل شاهد أن بإمكان شرقنا الأوسط أن يقدم نماذج حية في البناء والتنمية واستثمار المقدرات، وفي حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في منتدى الاستثمار الأخير في الرياض إشارة إلى ذلك النموذج وكيف يمكن البناء عليه والانطلاق منه.
اللغة الجديدة عن المستقبل التي خرجت من الرياض وجدت رواجا في مختلف عواصم المنطقة وبين مختلف الشرائح، ومثلت الخطوات الإصلاحية والتطويرية التي شهدتها المملكة تجسيدا لقيمة محورية، وأن ما يحدث ويتم طرحه ليس مجرد وعود أو أمنيات بل ما تلبث أن تتحقق واقعا بالعمل والطموح والعزم.
أيضا في منتدى الاستثمار الأخير في الرياض ربما أسمع ولي العهد السعودي الشباب العربي حديثا يسمعه لأول مرة عن بلدانه حين تحدث الأمير عن مصر والعراق والأردن وغيرها وما تحويه من قدرات يمكن استثمارها لبناء مستقبل نوعي.
ظلت المنطقة طويلا بلا نماذج مؤثرة وفاعلة، وخلاف النموذج التنموي الذي مثله الشيخ محمد بن راشد في بناء دبي كتجربة عالمية في محيطنا العربي، ربما يصعب البحث سابقا عن نماذج ملهمة ومؤثرة، خاصة مع هيمنة وتأثير الفكر الوعظي وصعود التطرّف في العقود الماضية ما أبرز نماذج وعظية لا تعرف عن المستقبل إلا التخويف منه وتمجد الماضي وتلجأ إليه.
تلك الثقافة تتراجع اليوم شيئا فشيئا، ثمة حديث دائم عن المستقبل والإبداع والابتكار، ثمة تطلع للبهجة والحياة والاعتدال؛ أحداث في كل مكان وأنظمة وقوانين يتم تحديثها بشكل مستمر وتحولات في أداء الأجهزة الرسمية، كل ذلك يعكس ثقافة جديدة باتت تعلن أفقا جديدا في المنطقة.
المصدر: عكاظ