بلا صخب.. وبعيداً عن دائرة الأضواء.. وكذلك «السخاء» العربي الذي يحتفي بمستعربين ذوي جهود متواضعة، مازال المترجم الألماني هارتموت فندريش، في الـ71 من العمر، يناضل على أكثر من جبهة، حاملاً قائمة عناوين عربية، كي يقنع دار نشر هنا أو هناك بنقلها من لسان الضاد إلى لغة غوته وشيلر.
هارتموت، الذي عكف على ترجمة سرديات عربية على مدار أكثر من 30 عاماً، وأنطق شخصيات أكثر من 60 رواية عربية بالألمانية، وعرّف بلاده بعوالم غسان كنفاني ونجيب محفوظ وسحر خليفة وإبراهيم الكوني وجمال الغيطاني، لم يلقَّ التقدير الذي يرى نفسه جديراً به بعد هذه العشرة الطويلة مع الأدب العربي، رغم بعض الجوائزالمنثور
«أنا رجل مكتبي، ومترجم صاحب برج عاجي بعيداً عن الأضواء».. هكذا يرى نفسه هارتموت، الذي حاورته «الإمارات اليوم»، بعد مفاوضات بين ردهات معرض فرانكفورت للكتاب، الذي يحرص أستاذ الدراسات الشرقية على حضوره. بنبرة لا تخلو من عتاب، يؤكد هارتموت: «لم أتلقَّ مكالمة شكر واحدة على ما بذلته لفترة طويلة تجاوزت العقود الثلاثة، وكنت أتمنى ولو حدث ذلك من أي سفير عربي في سويسرا، التي أقمت فيها ونشرت إحدى دورها العديد من الأعمال العربية»، مضيفاً أنه «حتى حينما حل ضيفاً على أحد المعارض العربية ثلاث مرات، كان ذلك عن طريق جهات من بلاده، وكأن صوته غير مسموع هنا في المنطقة، أو أن جهده لم يصل إلى دوائر العمل الثقافي العربي». ويستذكر هارتموت بالخير الناقد المصري جابر عصفور «الوحيد» الذي كان يدعوه قبل 2011 دائماً إلى القاهرة، للمشاركة في حوارات ثرية حول الأدب العربي، وغير ذلك كانت دعوات متفرقة.
جدل الأسواني
ولم يخفِ المترجم الألماني «العتيد» أن الضجيج الذي أثير حول رواية علاء الأسواني «عمارة يعقوبيان»، كان دافعاً لترجمة العمل إلى الألمانية قبل نحو 10 سنوات، إضافة إلى أن معظم الصحف العربية والأوروبية، ومن بينها الألمانية، لم تكتب عن الرواية، وإنما عن «الفضيحة» – حسب تعبير هارتموت – التي تحصل في مناقشات القاهرة، وحجم الأزمات التي طالت مطارح كثيرة في مصر، ضمن أجواء الفترة التي تناولتها الرواية، ولذا قررت دار نشر صغيرة في سويسرا ترجمة الرواية قبل 10 سنوات، ووجدت نجاحاً إلى حد ما.
ولم تنته مسيرة هارتموت مع علاء الأسواني، إذ عاد إليه مع رواية «نادي السيارات»، التي حظيت بترجمته إلى الألمانية، وتعدّ آخر ترجمات الرجل، فهو حالياً – كما وصف نفسه: «لست متعاقداً حالياً مع أي دار نشر، وأنا في هذه الفترة (بدون شغل)». وبدقة ألمانية يقول هارتموت: «أنا لا أقدم على الشروع في أي عمل دون عقد»، ويعتبر هذه المرحلة فرصة للقراءة وترشيح أعمال جديدة لقائمة مشروعات الترجمة، مضيفاً أنه «اقترح على دور نشر ألمانية العديد من العناوين في الفترة الأخيرة، ولكن للأسف لا تجد تفاعلاً». ويوضح: «القبول محدود جداً، وهذا متعلق بمشكلات في سوق الكتاب عموماً، وفي الوقت نفسه الناشر في ألمانيا يبحث عن أدب يلخص التغيّرات في المنطقة العربية والمشكلات السياسية».
العناوين «البياعة»
العناوين والقصص «البياعة» التي تدور حول اللاجئين والفارين من المناطق الملتهبة بالصراعات، هي الأخرى محل طلب من الناشر الألماني، كما ذكر هارتموت، الذي يرى أن «العديد من دور النشر غير مقتنعة بأن (كتابة هذه المرحلة تحتاج إلى وقت وتأمل، إذ حاولت إقناع مديري دور نشر بترجمة أسماء عربية مهمة في الفترة الأخيرة، ولكن للأسف لم تلق قبولاً)».
«ساق البامبو» للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، الفائز بجائزة البوكر العربية، تأتي على رأس ترشيحات هارتموت لدور النشر في بلاده، إضافة إلى بعض أعمال إسماعيل فهد إسماعيل، وعن آخر الأعمال العربية التي قرأها شيخ المترجمين الألمان، يفيد بأنها رواية لشاب مصري يُدعى محمد ربيع، تحاول تصوير أسباب ما حدث في مصر، ومقدمات ذلك، والحال التي وصلت، والرواية بعنوان «عطارد».
ورداً على سؤال لماذا لم ينوّع هارتموت في ترجماته، سعياً لنقل لون أدبي مغاير، مثل «ديوان العرب» الشعر، وتعريف القارئ الألماني به؟ يقول: «عندي علاقة معقدة مع الشعر – حتى الألماني – فأنا شخص نثري، أو بالتحديد سردي، والرواية تغوص في عمق مجتمعاتها، وتشرحها بشكل فني».
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم