كاتب ومحلل سياسي سعودي
منذ وفاة الامام محمد بن سعود اول حاكم سعودي للجزيرة العربية عام 1765 كان للعمر وحده القيمة الحقيقية في خلافة العرش على مدى مائة عام .
وتجسد ذلك اثناء انتقال الحكم الى ابنه الاكبر سعود ثم ذريته من بعده عبد العزيز و سعود ثم عبد الله التي سقطت الدولة السعودية الاولى في عهده على يد القائد العسكري المصري ابراهيم باشا ابن محمد علي.
وفي عهد الامام تركي بن عبد الله الذي اقام الدولة السعودية الثانية دخل عنصر جديد في الخلافة هي الجدارة السياسية والعسكرية فتولى الحكم بعده ابنه الامام فيصل بن تركي ليس بسبب سنه فحسب بل وباعتباره قائدا عسكريا وسياسيا قديرا ايضا استطاع الثأر من قاتل ابيه واسترداد الحكم. وبعد وفاته تنازع ابناه سعود وعبد الله في خلافته حول اهمية الجدارة السياسية ام الاسبقية بالعمر. وبسبب هذا الصراع الذي خلفته المنافسة السياسية وليس ارساء نظام حكم متطورسقطت الدولة السعودية الثانية ما قوض نظرية العمر في الخلافة .
وعندما استعاد الملك عبدالعزيز ملك اجداده بتأسيس الدولة السعودية الثالثة اعتمد العمر في الخلافة وهو الخيار التقليدي تاريخيا . وبعد تسلم ولي العهد سعود الحكم نشأ بسبب المصاعب المالية التي واجهت حكومته وبسبب الصلاحيات جدلا مع ولي العهد فيصل الى ان تولى الاخير رئاسة مجلس الوزراء لكن الملك حل الحكومة وشكل حكومة جديدة برئاسته. الى ان تولى فيصل الحكم . ويعتقد محللون ان جدلية العمر والجدارة هي التي حكمت جوهر هذا الخلاف .
فطن الملك فيصل الي هذه الجدلية اثر توليه الحكم عام 1964 فعين خالد وليا للعهد وفهد نائبا ثانيا لاول مرة في الحكم السعودي مرسيا بذلك توازنا بين عنصري العمر والخبرة في الخلافة واطمئنانا لسلاسة انتقال السلطة في الدولة السعودية وهي خطوة سليمة أرست بداية لمسيرة تحديث آليات وراثة الحكم .
وقد اصدر الملك خالد عام 1400 امرا ملكيا بتشكيل لجنة رفيعة المستوى من عدد من الخبراء المختصين والمسئولين البارزين لوضع النظام الاساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المقاطعات في صيغته النهائية . ولربما بسبب الظروف السياسية الاقليمية ومن اهمها تصديرالثورة الايرانية والحرب العراقية الايرانية تأخر صدور نظام الحكم وبقية الانظمة .
الى أن وضع الملك فهد لبنة هامة في هذه المسيرة باصداره النظام الاساسي للحكم عام 1412 / 1992 والذي اكد على الصلاح وحده دون اشارة الى العمر في المبايعة بالحكم. حيث جاء في المادة الخامسة ” يكون الحكم في ابناء الملك المؤسس عبد العزيز وابناء الابناء . ويبايع الاصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
وبذلك طويت صفحة العمر بصفته معيارا لوراثة العرش حسب ما يرى المراقبون في قراءتهم للنظام . وهذا ما يؤكده الامير فيصل بن مشعل بن سعود نائب امير منطقة القصيم في محاضرة له بعنوان قراءة في النظام الاساسي للحكم بقوله ” لم يشترط النظام في انتقال الملك التقيد بالسن انما اشترط الاصلح للحكم ” .
نقلة أخرى ارساها الملك عبد الله عام 1427 / 2007 في اطار رغبته لتحديث نظام وراثة الحكم في انشاء هيئة البيعة التي أدخل فيها التصويت آلية جديدة لكنه حصن بالممارسة مرجعية الملك وسيادته في اختيار ولي عهده . وهذا حرص من الملك لحماية تجربة جديدة من أية سلبيات قد تؤثر على معيار ( الاصلح ) التي وردت في النظام الاساسي للحكم. والتي تفسرعادة بالكفاءة السياسية والصلاح المسلكي .
ومارس الملك هذه السيادة مرتين بعد وفاة ولي عهده الامير سلطان و ولي عهده الامير نايف ، ولاحظ المراقبون انه اضافة الى الكفاءة السياسية والجدارة الشخصية ربما كان لشعبية المرشح لولاية العهد داخل الاسرة الماكة وبين اوساط الشعب دور علي ما يبدو في التعيينات الاخيرة .
فبعد رحيل ولي العهد الامير نايف لم تمض 24 ساعة الا واصدر الملك عبد الله أمره الملكي بتعيين الامير سلمان وليا للعهد في اسرع قرار للخلافة السعودية . فماهي الاسباب؟
يعرف الملك عبد الله ولي عهده الجديد خير المعرفة فهو اضافة الى خبرته السياسية صاحب شعبية طاغية لعلاقته بحاجات الناس ومعيشتهم ومشكلاتهم ليس في الرياض فحسب – حيث كان يحكم – بل من مختلف المناطق حيث كان يقصده الناس.
ويرى امراء المناطق في الامير سلمان امير الامراء، كما كان يردد الامير خالد الفيصل امير منطقة مكة المكرمة حاليا وامير منطقة عسير لنحو 37 عاما.
هذه الجماهيرية الشعبية معززة بعلاقات نخبوية مع المثقفين والكتاب والمؤرخين ورجال الاعمال وقادة المجتمع المدني تجعل من رجل الدولة خبيرا ليس في السياسة فحسب بل وايضا في الاجتماع والثقافة والاقتصاد وحقوق الانسان . وهوما يؤهل اي سياسي لتربع اعلى المناصب .
جاء ترشيح الامير سلمان في ظل بروز منافذ تعبير سياسي مستجدة مثل وسائط الاتصال الجماهيري ( التويتر والفيس بوك ) اضافة الى التحليلات السياسية بالفضائيات والصحف الالكترونية ، وبعد وفاة الامير نايف رشح الشعب الامير سلمان في صيغة توقعات تشبه التمنيات ، لان الترشيح والاختيار قرار حصري بالملك .
وكان كاتب هذه السطور واحد ممن فعل ذلك في قناة سكاي نيوز عربية دون خشية من ارتكاب خطأ في التقدير.وقد اكدت الصحف السعودية الرسمية بعد قرار التعيين دور شعبية الامير سلمان في ترشيحه للمنصب .
ان هذه حالة سعودية نادرة بصم عليها الملك عبد الله ببصيرة نافذة . وقد تلاقت رغبة الملك مع رغبة شعبه في ما يشبه الاجماع بين الحاكم والمحكوم. لكنها في النتيجة ارست لربما تقليدا جديدا حول دور الشعب والشعبية في بوصلة خلافة الحكم. سواء جاء ذلك بقصد او بدون ان قصد.
وتتكون شعبية المسؤول في المجتمع السعودي من عدة عناصر منها نجاحه الاداري والسياسي . وقربه من هموم الناس وقضاياهم وتواصله مع احزانهم وافراحهم . ثم مكارمه الاخلاقية ومبادراته الانسانية وسخائه المالي .
بعد هذه التجارب المتسلسلة في ارساء معايير خلافة الحكم مثل العمر ثم العمر والكفاءة معا ثم الصلاح والكفاءة دون العمر . هل ما حصل يعكس تطور في طبيعة النظام السياسي ؟ الجواب لاشك في ذلك . لكن السؤال الحقيقي هل تكون شعبية المرشح للحكم معيارا جديدا يضاف الى الكفاءة والصلاح في خلافة العرش؟ ربما ذلك يعتمد على تطور البيئة السياسية في المملكة .
سليمان العقيلي
خاص بـــ (الهتلان بوست)