كاتب سعودي
إن من أجمل وأروع الهدايا التي من الممكن أن يتلقاها شخص ما، هي تلك التي تضمن له استقرار حاضره وتطمئنه على مستقبل أبنائه؛ فما بالنا إذا كانت الهدية تضمن لشعب كامل استقرار حاضره وتطمئنه على مستقبل أبنائه من بعده. ومثل هذه الهدية تعد من الهدايا التاريخية المجيدة التي يسطرها التاريخ بماء من الذهب، ويعلقها على عنق كل فرد من أفراد الشعب الآن وآن الغد من بعد. إن الهدايا التاريخية نادرة الحدوث جداً في التاريخ، ناهيك عن ندرة حدوثها في عمر إنسان؛ ولذلك سميت بالتاريخية وحق لها أن تسمى بذلك.
عندما توفي أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ تولى الخلافة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، بعد حروب الردة، وكان عمر خير من يتولى إدارة أمور الدولة وينظمها ويثبت أركانها ويعيد هيبتها في الداخل والخارج؛ حيث أسس وشيد بنيانا متينا وقويا لها، انطلقت وتوسعت على إثره من بعده الدولة العربية الإسلامية، ليأتي من خلفائها، بعد قرنين، من يقول: “أمطري يا سحابة أينما تمطري؛ فسيأتيني خراجك”. فتولي عمر بن الخطاب للخلاقة كان من أثمن الهدايا التاريخية التي ما زلنا ننعم بها، بعد ألف وأربع مائة سنة.
وكذلك الخليفة عمر بن عبدالعزيز، كان من أثمن الهدايا التاريخية لنا، حيث ما زلنا نتغنى بعدله وصدق إنسانيته. والخليفة العباسي المأمون، الذي نشر العلم والعلوم وأصبح عهده تاج حضارتنا العربية الإسلامية؛ كان بالنسبة لنا كذلك هدية تاريخية لا تعوض. وصلاح الدين الأيوبي الذي طهر حياض فلسطين والشام ومصر من دنس احتلال الإفرنجة الغاشم لها، ودافع عنها، وأعاد هيبة وكرامة الدولة العربية الإسلامية لها؛ كذلك يعتبر هدية تاريخية، وما زلنا نتغنى بأمجاده.
وعلى مستوانا المحلي (المملكة العربية السعودية)، كان محمد بن سعود- رحمه الله- هدية تاريخية لا تقدر بثمن، إذ أدخلنا بحزمه وعزمه وصفاء رؤيته للعالم الحديث. حيث أسس لنا دولة تجمعنا تحت ظلها وترعانا وتحمينا؛ بعدما تم إهمال وتهميش الجزيرة العربية لعدة قرون، وأصبحت جزرا صحراوية صغيرة متناثرة تتقاتل وتتنازع فيما بينها، والقوي فيها يأكل الضعيف.
وكذلك وبلا أدنى شك، يعد الملك عبدالعزيز -رحمه الله تعالى- من أثمن، إن لم نقل أثمن هدية تاريخية لنا على مستوانا المحلي الحديث؛ حيث هو من أعاد بشجاعته وحكمته وحزمه وعزمه وثقابة رؤيته ورويته جمع شتاتنا بعدما تفرق وأصبح نهباً للطامعين. وحيث إن الملك عبدالعزيز في هذه المرة جمع شملنا في ظل دولة عصرية تأخذ بأسباب العلم والتقدم والسلام، مما جعل لنا مكانة بين الدول العصرية التي سبقتنا في ولوج الحداثة والعصرنة بعقود. وكان لملوكنا من بعده سعود الباني وفيصل الحامي وخالد الصالح وفهد السامي وعبدالله المصلح المتفاني الفضل فيما ننعم به من تقدم وسلام.
إن ما تمر به منطقتنا من تغيرات واضطرابات سريعة ومتتالية، منها المتوقع ومنها غير المتوقع، والصراعات والتدخلات الدولية والإقليمية فيها، ليجعل الحكيم منا حيران والمتردد خسران. هنا تحتم علينا بأن نحسب ألف حساب لكل خطوة نخطوها، حيث لا مجال للخطأ في زمن البحث وتصيد الأخطاء، لجاهزية المنقضين والمتصيدين في الماء العكر، والذين إن لم يجدوه عكراً عكروه عنوة ليلقوا بسنانيرهم الحادة فيه لتجريح وتقطيع الجسد الواحد ككل أو كأجزاء الواحد تلو الآخر.
إن ما أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- من تعيينات جديدة وعلى رأسها تعيين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آلـ سعود، نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، يعتبر وبحق من القرارات الحكيمة والرشيدة والمدروسة بروية وعقلانية. وذلك كونها تمثل خطوة إصلاحية في عملية انتقال الحكم في المملكة. حيث كانت الطريقة الأولى تعتمد أساساً على السن والكفاءة؛ أما الطريقة الجديدة فأصبحت تعتمد على الكفاءة أولاً، بغض النظر عن السن. كانت الطريقة الأولى في عملية انتقال الحكم تتناسب مع زمنها وأدت واجبها خير أداء، من ناحية أمن وسلامة وسلاسة انتقال الحكم في المملكة، أما الطريقة الجديدة التي تعتمد الكفاءة أولاً فهي التي تتناسب مع زمننا هذا وتتواءم مع زمننا القادم.
الأمير مقرن هو الابن الخامس والثلاثون للمؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز، ويعد من أبنائه الصغار. درس الأمير مقرن في معهد العاصمة في الرياض، وتخرج منه ودرس الطيران في المملكة المتحدة، والتحق طيارا حربيا بالقوات الجوية الملكية السعودية. وتلقى العديد من الدورات والتدريبات عالية المستوى في مجال الطيران العسكري في الولايات المتحدة والقيادة والتخطيط العسكري. هذا ما جعله مؤهلاً ليس فقط للإلمام بفنون الحرب والقيادة العسكرية عن طريق الدراسة والتدريب والممارسة؛ ولكن أيضاً مكنته من الدراية والإلمام بآخر ما توصلت إليه تقنية الطيران العالية والدقيقة، وكيفية التعامل معها والسيطرة عليها. والتقنية العالية هي روح ومحرك الحياة العسكرية والمدنية كذلك في عصرنا الحاضر والمستقبل القريب والبعيد. ومن يتمكن من التقنية العالية يتمكن من إدارة شؤون البلد المدنية والعسكرية مدعماً بروح العصر وعصبه، والأمير مقرن خير من تمكن من ذلك وأداره وقبض على أسراره.
والأمير مقرن تولى إمارة كل من منطقة حائل ومنطقة المدينة المنورة، وأدارهما بكل حكمة وروية أحبه الناس وأحبهم في المنطقتين واشتهر عنه نزوله إلى الناس لا صعودهم إليه، للبحث عن مشاكلهم وإيجاد الحلول المناسبة والمرضية لها. كان هاجسه التنموي عالياً أثناء إدارته للمنطقتين وقد برز ذلك جلياً في الخطط التنموية والمشاريع الكبيرة التي نفذت فيهما. ومن يدير منطقة أو منطقتين بنجاح، فهو وبلا شك يمتلك القدرة على إدارة أكبر بكل تفوق ونجاح.
الأمير مقرن تولى وأدار جهاز الاستخبارات العامة الذي مكنه من الإطلاع على أدق تفاصيل التفاصيل فيما يجري داخل وخارج المملكة؛ ومن عايش ورأى ليس كمن سمع وخمن. وكذلك عمل الأمير مقرن مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله مستشارا ومبعوثا خاصا له مما أكسبه الخبرة في كيفية إدارة شؤون المملكة الداخلية والخارجية، حيث تدرب وتخرج على أيادي المصلح الأمين عبدالله وولي عهده سلمان الحكيم. ولهذا السبب أصبح الأمير مقرن الخيار المناسب لتولي منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء.
وزيادة على ذلك، فعمر الأمير مقرن أهله بأن يعيش كواحد من جيل أبناء الملك عبدالعزيز الحكماء وبنفس الوقت، قريب من أحفاد الملك عبدالعزيز النجباء. أي أن الأمير مقرن هو خير من قَرَن أو سيقرن بين جيلين، لأنه واحد من كليهما أو الأقرب من كليهما. أي هو خير من سيسلم دفة قيادة سفينة البلاد من جيل الأبناء لجيل الأحفاد، بكل أمن وسلام.
وأنا أجزم بأن تولي الأمير مقرن منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، سيعد وبحق هدية تاريخية لنا ولأجيالنا القادمة، من الملك عبدالله الأمين ومن ولي عهده سلمان الحكيم.
المصدر: الوطن أون لاين