كاتب ومحلل سياسي
الرد الذي صدر عن الزعيم الإخواني عصام العريان على الكاتب محمد حسنين هيكل، لم يحترم الحد الأدنى لأصول النقاش السياسي بمرتكزاتها وحدودها الدنيا، فهو حين يغمز من قناة تقدّم الرجل في السن ويتوعّده بالآخرة، إنما يمارس نوعاً من الإرهاب الفكري . يبدو منطقياً تعليق أحد الكتّاب على تعاطينا كعرب مع السن، إذ إن الصغير إذا تكلّم قيل له: اسكت فأنت صغير، وإذا تحدّث الكبير نظروا إليه كعجوز خرف .
لم يخلُ أسلوب العريان من استعلاء وخيلاء وانتشاء بوصول حزبه إلى السلطة . مع الإقرار بأن أي رد آخر على هيكل غير الذي سمعناه من جانب الإخوان، سيكون مفاجئاً ويطرح أكثر من سؤال، نظراً للموقف التاريخي المتبادل بين الإخوان وشخص ناصري . لكن إذا كان هيكل بهذه الصفات التي يطعنها العريان والإخوان فيه، فلماذا كلّف الرئيس مرسي نفسه عناء اللقاء به في عز أزمة الإعلان الدستوري؟ وإذا كان موقف الإخوان هو ذاته المعبّر عنه في أسطوانتهم المتقاطعة مع خطاب الساداتيين، فلماذا أسهب مرسي في الإشادة به وبثورة يوليو في ذكراها؟ إما أن يكون كلام الرئيس تعبيراً عن قناعة بعضها استفاد منه شخصياً مثل التعليم المجاني الذي أوصل مرسي إلى درجة الدكتوراه، والإصلاح الزراعي الذي شمل أسرته ببضعة فدادين من الأرض، وإما أن ذلك الخطاب كان هدفه التناغم مع المزاج الشعبي وفق المنطق الذي صدر عن العريان نفسه حين قال لجريدة “الأخبار” المصرية في أغسطس/ آب 2011 إن “الإخوان غير طامعين في الرئاسة ولا الحكومة . . سنخوض الانتخابات المقبلة بعدد لا يسمح لنا بتحقيق الأغلبية”، ورأينا ماذا حصل بعد ذلك .
أياً يكن الأمر، ولو نحيناه جانباً، يبقى أن الرد الذي قرأناه من العريان على أهم صحافي عربي وواحد من رموز الإعلام والسياسة في العالم، وهو مع ذلك جدير بالاختلاف معه، لا يدخل ضمن منطق التعاطي مع رجل يستحق أن يباهي به أي بلد يحترم سياسيوه رموزهم وأعلامهم في شتى المجالات . هذا الرد يذكّر بتعليق بعض الصحافيين على حلقة حوارية فضائية أجريت مع هيكل بكلمة “بائسة”، باعتبار أنها حملت مواقف لا تروق لهم وللتيار الذي يريدون له أن يواصل هبوبه بلا اهتزاز مصدره صوت بحجم موقف هيكل، علماً أن هؤلاء عندما ولدوا كانت أصابعه تنبش في أرشيف تغطياته لأخبار الملك فاروق، وسلسلة كتبه عن حرب فلسطين ومعارك السويس وأزمة المثقفين العرب المزمنة والعصية على الشفاء .
ليس ممنوعاً أو محرّماً أن يرد أي شخص يعدّ نفسه مؤهّلاً لتناول قضية حقيقية، بل إن المنع والتحريم هو ما يخشاه كثيرون من الحقبة الإخوانية السلفية لأسباب ومعطيات وجيهة، لكن من المؤسف أن يلجأ البعض إلى منطق الاتهامات الشخصية في مناقشة موقف خلافي مع شخص لم يخرج من الهم المصري والعربي والإنساني طوال عقود رغم كل ما يمكن أن يختلف معه فيه كثيرون . ولا ندري ما علاقة عصا الغولف والسيجار بصحّة رأي أو خطئه، كما أن من الغريب أن يختطف هذا البعض نفس صيغة الاتهام الذي كان يواجه بها الساداتيون والمباركيون هيكل وهي المتعلقة ب “الناشرين الأجانب” .
كان على قيادات الإخوان أن يردوا على هيكل بسياسة واضحة كانوا ينادون بها طوال عقود، كان بإمكانهم تجنّب بيع اتفاق التهدئة لهيلاري، أو مصارحة الشعب بحقيقة موقفهم من “كامب ديفيد”، ولماذا انقلب بمئة وثمانين درجة . هكذا يكون الرد وليس بالهروب إلى الشخصنة والحديث من برج عاجي عن شخص يستمد شهادته من تاريخ حافل وليس من أي شخص .
المصدر: صحيفة الخليج