كاتب ومستشار قانوني إماراتي
حاصر الإغريق مدينة طروادة قرابة 10 سنوات لكنهم لم يتمكنوا من دخولها، فابتدعوا حيلة جديدة تمكنهم من دخول أسوار المدينة، فكانت خطتهم صناعة حصان خشبي كبير يُملأ بالجنود من الداخل ويُترك أمام بوابة المدينة على أنه من مخلفات الحرب ومن الغنائم التي تُركت نتيجة انسحابهم.
في ذات الليلة أقام الطرواديون حفلة كبيرة احتفالاً لانتصارهم، وبعد أن سكر الشعب والجنود والقادة نشوة بانتصارهم المظنون خرج جنود الإغريق من داخل الحصان وفتحوا البوابات لبقية الجنود، ونجحت حيلتهم بالدخول إلى مدينة طروادة ونهب ممتلكاتها، وقتل كل الرجال، وأخذ كل النساء والأطفال كعبيد.
لو لم يسمح الطرواديون بدخول حصان طروادة إلى أراضيهم لما حصل ما حصل لهم، فدخول العدو إلى أراضي المدينة هو من مكنهم من النصر في ليلة واحدة، بينما دام حصارهم 10 سنوات ولم يستطيعوا الإطاحة بمدينة طروادة، فدخول العدو أرض الوطن بداية النهاية لأي جيش مهما كان تعداده وعدته، فالحماية الداخلية أهم بكثير من الحماية الخارجية وإن كانت مهمة أيضاً.
ما حصل في طروادة يشبه إلى حد كبير تغلغل الفكر المتطرف بين أفراد الشعوب في العالم، فمهما حاولنا حماية أنفسنا من الأخطار الخارجية إلا أن هناك خطراً يهدد العالم يكمن بدخول مثل هذه الأفكار إلى عقول البعض، وربما تظهر بعض الرسائل الموجهة وكأنها دعوة للصلاح والإصلاح لكن ما هي إلا كحصان طروادة حيلة للدخول إلى الحصن الحصين.
لولا مساعدة الجاسوس الإغريقي «سينون» والذي قام بإقناع الطرواديين بأن الحصان من مخلفات الحرب لما دخل الحصان أسوار المدينة مما تسبب بدمار المدينة بأكملها، وفي أيامنا هذه هناك العديد ممن يقومون بالمهمة نفسها لكن بمسمى جديد «المسيّسين»، والذين يقومون بمنهجة أي فكر بما يتناسب مع توجهاتهم وأهدافهم، فالخطورة الأكبر بوجود أصحاب هذه الأفكار في مجتمعاتنا العربية يتعايشون فيما بيننا لكن نواياهم مخبأة، وما هو معلن يخالف ما هو بداخلهم.
في زماننا هذا الحصان عبارة عن فكر وأفكار، وجنوده ألسن تهذب الكلام وتنسج أعذبه لتدس السم بداخله، واستخدام المصطلحات الإسلامية والدينية هي المادة البديلة للخشب لصناعة هذا القالب، وجعله مقبولاً بين الناس ومبرراً لتواجده على أرض الواقع، وبصورة شرعية يتم تداوله ونقله وكأنه دعوة للتثقيف بأمور الدين.
في كل مرة نشهد فيها عملية إرهابية نستنكر الفعل الإجرامي كطريقة وأسلوب، وقلائل من يستنكرون الفكر الذي أوصلنا لهذه الحالة، وهذا تماماً ما أقصده بالحصان الدخيل على مجتمعاتنا، فنحن عندما نرفض الشكل والطريقة فقط وكأننا نقر ونعترف بهذا الفكر، ولهذا علينا أن نحذر من هذا الحصان فبإمكانه أن يكسر أبواب المدينة.
وطننا العربي معتل من الداخل، ووضعنا الحالي لا يحتمل وجود داعش تبرز وتحاول فرض سيطرتها على منطقة جغرافية منه، والمصيبة أن الجميع مُقتنع تماماً أن هذا التنظيم سيزول آجلاً أم عاجلاً.
حصان طروادة دخل مدننا وساحاتنا العربية وهذا هو الخطر الحقيقي الذي علينا أن نتنبه له أكثر من تنبهنا للعمليات الإرهابية، علينا أن نفكر في كيفية القضاء على مقومات هذا التنظيم قبل أن يتغلغل أكثر فأكثر، فإن أصبح قادراً على حماية أتباعه ومعتنقي فكره في كل بقاع الأرض فحينها لا يمكننا مواجهته، ووقتها سنقول «ياليت يعود بنا الزمان».
نحن الآن أمام فرصة حقيقية وسانحة للقضاء على هذا الحصان قبل أن يخرج جنوده من داخله، وذلك بمحاصرته وتفتيته بالكامل وبيان أنه لم يأتِ للإصلاح إنما أتى طامعاً بالسلطة مستغلاً أموراً عليها إشكاليات في تطبيق حدود الله ليتغلغل بين الناس، والذين لا يملكون إمكانية التحليل والنظر لأبعاد متشعبة.
حصان طروادة داخل بيوتكم فإما أن تكشفوه على حقيقته لأولادكم أو تقبلوا بالخديعة، والأمر إليكم فانظروا ماذا تأمرون.
المصدر: البيان