أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية
قال وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله إن «تأخر وزارة الإسكان في تنفيذ مشروع الإسكان بحجة البحث عن أراضٍ غير مبرر»، وأضاف أن «وزارة الإسكان عانت من عدم وجود أراضٍ ودراسات على المواقع، إلا أن هذا لا يعطي الحق للوزارة في تأخير المشروع عن المواطنين، من خلال البحث عن أراضٍ فاضية، فهي كثيرة»، «الحياة» 24 نيسان (أبريل) الماضي.
وأضافت بعض الصحف قوله لوزير الإسكان: «إذا أردتموها أفضل سلموها لنا في الحرس الوطني وشوفوا وش نسلمكم». والأخيرة نوع من المزاح، فمن غير المنتظر أن يترك الحرس الوطني ميادين العسكرية، ويشرف على مشاريع الإسكان.
الأكيد أن حديث الأمير متعب يجب أن ينظر إليه بأهمية كبيرة، فالأمير ليس وزير الحرس الوطني فحسب، بل هو أحد الشخصيات الفاعلة في البلد حالياً. ولعل حديثه يوحي بتبرم وضيق الحكومة من عدم حل أزمة الإسكان الشائكة والمستمرة، على رغم توافر الدعم المادي والمعنوي لوزارتها من أعلى المستويات.
عودة للإسكان، فهذا الأسبوع انتهت فترة شهري التقديم إلى منتجات الوزارة من الأرض، أو القرض، أو كليهما. ولأن الوزارة مازال نتاجها صفراً على أرض الواقع، وكل ما مضى من عمرها هو وعود ومسكنات، فإن الوزارة وفريقها على المحك، ويجب أن تضع حداً لأزمة الإسكان، فلا مجال لمزيد من الوعود وإطالة وتمطيط الأزمة.
وبما أن الحديث عن الإسكان، فالمرجو من الوزارة أن تعيد التفكير في بعض قراراتها التي تسهم في تأجيج الأزمة وتضخمها لا علاجها وحلها. ومثال ذلك، حرمان من تقدموا سابقاً إلى الصندوق بشرط الأرض من دخول آلية الاستحقاق الجديدة. فالوزارة تعلم بالتأكيد، أن كثيرين قدموا إلى أراضٍ لا تصلح للسكن، سواء من ناحية موقعها، أم لانتقالهم من المكان الذي قدموا إليه قبل 20 عاماً. ويجب أن توجد الوزارة آلية مناسبة لعلاج مشكلة هؤلاء المنتظرين غير القادرين على تسلّم قروضهم من الصندوق لعدم قدرتهم على تملك الأرض. فبقاء هؤلاء معلقين بلا حل هو قصور في عمل الوزارة وخططها، المفترض فيها دعم المواطن للحصول على السكن المناسب، وهذا أولاً.
ثانياً: من المنتظر أيضاً أن تعيد الوزارة التفكير في تحميلها كلفة تطوير الأراضي للمواطنين. فالوزارة فرضت أسعاراً للأراضي تراوح بين 50 و150 ألف ريال، بحسب مساحة الأرض وموقعها. وهذه القيمة فرضت في مقابل تطوير الأرض، ويجب ألا تحمل للمواطن بأية حال، فالتطوير مسؤولية الوزارة والبلديات، وليس مسؤولية المواطن ليتحملها. كما أن الوزارة ليس لديها عجز مالي ليتحمل المواطن جزءاً من مسؤولياتها، بل إنها أعطيت 250 بليون ريال لحل الأزمة، وعليها أن تحلها من دون تحميل المواطن ريالاً واحداً مما يجب أن تتحمله هي.
ثالثاً: الوزارة أيضاً كان صوتها عالياً وهي تلوّح وتعد بفرض ضريبة أو رسوم الأراضي البيضاء. والمرة الأولى التي صرح وزيرها باستخدام الضريبة لحل أزمة السكن كانت في منتدى جدة الاقتصادي في 14 آذار (مارس) 2013. ثم رددها في لقاءاته بعد ذلك، ومنها لقاؤه الشهير مع عبدالله المديفر على قناة «روتانا». واليوم يمرّ عام ونيف، ولم تفرض ضريبة، ولم تنخفض أسعار الأراضي، وهو لب المشكلة الذي لم يعالج. وإن كانت الوزارة غير راغبة، أو غير قادرة على فرض الضريبة، فليس أقل من أن تدعم المواطن بمبلغ إعانة، وقروض حسنة ليستطيع شراء الأرض عند الأسعار الحالية. أو أن تقوم الوزارة بشراء مساحات خارج المدن، وتوزعها على المواطنين الذين لا يملكون أراضي، ولا يستطيعون الشراء بسبب غلاء أسعار الأراضي. أما التوقيع مع المصارف لتحميل المواطن قروضاً إضافية فهو الخطأ الكبير الذي ترتكبه الوزارة حالياً، لأنه يشعل الأسعار زيادة، ويعطي «هوامير» العقار ما يطلبون في مقابل تحميل المواطن ما لا يطيق من القروض والديون الضخمة.
ختاماً، أعلم أن أزمة الإسكان شائكة، ومعقدة، ولكن أن تبقى الوزارة ثلاثة وأربعة أعوام ونتاجها صفر، والأزمة تستفحل أمام عينيها، والمواطن ينتظر، والإيجار يقتطع الجزء الكبير من دخول الناس فليس مقبولاً، ولا معقولاً، ولا مبرراً مهما كانت العوائق والأعذار. فأزمة الإسكان هي الهمّ الكبير لكل شرائح المجتمع وللوطن وللحكومة، ويجب أن يوضع لها حد، فقد طالت واستفحلت.
المصدر: الحياة