كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
وسأعود اليوم لما ذكرته قبل ثلاثة أيام عن النماذج التي حولت هذا الدين العظيم إلى دين أقبية وكهوف وتنظيمات سرية. خذ من هذه النماذج أن شخصا مثل أبي بكر البغدادي يعيش في نطاق بشري من عشرة أفراد وقد يختلف حتى مجرد اثنين على تحديد صورته وهويته، ومن الدهشة أنه يدعو لخلافة ودولة. في اليد الأخرى تقول الأنباء إن دائرة حسن نصر الله لم تتعد 40 فردا خلال السنة الماضية، وإن عبدالملك الحوثي يتنقل في اليوم الواحد ما بين عشرة مقار أمنية. في الأنموذج الثالث دخل جهيمان العتيبي إلى الحرم الشريف بتنظيم سري وقبض عليه مع نفر من مريديه داخل أقبية مغلقة.
وأودّ أن أقول إن رسالة الإسلام هي رسالة جهر ونور وضياء لا ديانة أقبية وكهوف وأفكار شاردة مغلقة. خذ من الأمثلة: أن محمدا صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح بصدر مفتوح ورأس مرفوع إلى وسط ما تقول عنه كتب التاريخ إنهم 20 ألف مقاتل من أعدائه. تقول كتب التاريخ أيضا إن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – حين اعتزل الفتنة ذهب داعيا إلى وسط الصين حاملا دعوة جهرية تدعو إلى العدل والرحمة. وبفضل هذا الفرد الأمة تدين الملايين من سكان آسيا الوسطى وغرب الصين بهذا الدين العظيم. خذ أيضا من نماذج الذين حملوا راية الإسلام الجهرية ودخلوا بها في العالم إلى الملايين ما كان من الإمام الموحد عبدالعزيز يوم دخل مكة. لم يضرب بطلقة ولم يختبئ تحت قبو أو يحتزم بقنبلة أو حزام ناسف، على النقيض تقول صفحات التاريخ إنه دخل البيت الحرام مع صلاة الظهر وإنه خرج منه إلى بيت مكي عريق ونزل به يستقبل البيعة. وأخيرا اسمحوا لي أن أستعير هذا الأنموذج من خارج الخارطة: لا يمكن في التاريخ الحديث أن يغفل أحد أو يتجاهل أن (غاندي) كان أعظم قائد ثورة مدنية سلمية لم تغير تاريخ الهند فحسب، ولا شكله السياسي؛ بل كانت إلهاما لكل البشرية. كان غاندي ينام على الأرصفة ويجابه الناس بصدر عار مفتوح لأنه مؤمن أن حروب الأفكار الحقيقية لا تحتاج إلى قبو أو كهف.
يؤسفني أن أقول لكم: إن هذا الدين العظيم قد تحول اليوم إلى ما يقرب من مئة تنظيم سري، نصفها على الأقل ابتدعت أسماءها في العقد الأخير من الزمن.
المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23357