كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة
بين حين وآخر تظهر إحدى إشكاليات الإلغاء على الساحة الثقافية. والإلغاء يكون عادة بعدم الاعتراف بوجود شرائح من النخب يجري الحديث عنهم في الكتابات والحوارات، كما في حالة إلغاء وجود الليبرالية أو الليبراليين التي تتكرر كل فترة..
أو إلغاء وجود مفكرين سعوديين أو مثقفين مؤثرين كما جاء في “ثقافة الوطن” منذ يومين.
وجرت العادة أن يعود الجدل كلما حدث إلغاء.. فهل ننتظر جدلا جديدا حول “المثقف المؤثر” أو “المفكر السعودي”؟
ما يحدث من حراك ثقافي وجدل في دول “الاستقرار العربي” يمثل حالة صحية، فالمثقف فيها – أيا كان تياره – ما زال يظهر في صدارة المشهد، وإن أنكر البعض ذلك في حوار أو محاضرة، فالإنكار المتداخل مع الإلغاء ليس إلا جزءا من الحراك، لأنه يثير الراكد، ويعيد الجدل الذي تتناقله وسائل الإعلام، ما يؤكد على أن المثقف هو المحور، ورؤيته هي التي تواجه الرؤى الأخرى، بحثا عن إثبات حالة ما.. ومع استمرار الجدل، تزداد معارف المتجادلين والمتابعين ثراء.
في حالة معكوسة، ثمة دول تقوقعت نخبها منذ زارها “الربيع العربي” وغاب عنها جدل المثقفين الذين تراجعوا وتركوا صدارة المشهد للشباب.. ونجد هنا أيضا حالة لـ”الإلغاء”، لكنه إلغاء من نوع مختلف وغير متعمد.. فالشباب صنعوا التغيير يوم عجزت عنه النخب.. والنخب لم يغادرها الذهول بعد.
عندما يلغى قانون ما تم ترسيخه كثقافة قمعية في إحدى الدول، فهذا يعني أن العمل به قد توقف، لكن أن تتحول الحالة إلى مأساة نتيجة قيام النظام بتطبيق ما هو أقسى بمئات المرات من قانون “الطوارئ” الملغى، فذلك هو التلاعب الحقيقي بمفردة “الإلغاء” التي تم توظيفها سياسيا فقط، فيما الواقع المر يحيط بملايين البشر، وكأن النظام هنا يستفيد مما قاله ميكافيللي عن “الغاية” التي تبرر “الوسيلة”. والغاية هنا هي المحافظة على الكرسي، أما الوسيلة فهي جملة من وسائل لم تعرف لها البشرية مثيلا من المخادعة والاحتيال وكسب الوقت وصناعة المسرحيات وتأليف الروايات.. ولعلها ستكون واحدة من الحكايات التي ستدخل التاريخ في فن التزييف المدمى.
هناك طغاة يلغون معظم أبناء شعوبهم ممن لا يؤيدون سياساتهم، فمن قائل لشعبه المتظاهر: من أنتم؟.. وآخر لم يعترف بوجود متظاهرين برغم مرور عشرة أشهر على استمرار المظاهرات.. معتقدا أن العالم يسهل إقناعه بأسلوب الإلغاء، وأن الإلغاء الوهمي يمكن أن يصبح حقيقة، لكن الثورة مستمرة.. والإلغاء لا يطول ما دامت الحقيقة لم تمت.
نشرت هذه المادة بموقع الوطن أون لاين بتاريخ (19-01-2012)