كاتب وإعلامي سعودي
دولة الإمارات ليست سباقة في مشاريعها التنموية الاقتصادية فقط، ولكن لها السبق في إقرار بعض القوانين التي تحمي السلم الاجتماعي فيها، مسؤولية الحكومة في أي بقعة من العالم أن تشرع القوانين وتعمل علي تنفيذها حتى لا تستغل بعض القضايا الاجتماعية والدينية في أي بلد لتحقيق مصالح فئات محددة، وأن تفرض أجندتها ورؤاها على المجتمع، متذرعة بأنها هي الممثلة للدين أو هي الحافظة لعادات المجتمع، والويل والثبور لمن يخرج عما تؤمن به بعض الجماعات، وبخاصة من ترفع شعار الدين ليس للحفاظ عليه، ولكن لتحقيق أهداف سياسية كالوصول إلى السلطة، مستخدمة العنف والقتل لمن يعارضها، ومستغلة العواطف الجياشة لشعوبنا التي هي محافظة بطبعها في حال نقد بعض رجال الدين، ولاسيما في حال اشتغالهم بالسياسة، فهناك خلط واضح وعجيب بين نقد رجال الدين والدين نفسه.
في ظروف معقدة تمر بها مجتمعاتنا العربية والتي اختطف فيها الإسلام من قلة متطرفة لا تتردد بتغير شعاراتها وأسمائها من «القاعدة» إلى «النصرة» إلى «داعش»، وهدفها -باعتقادي- هو سياسي بحت، المكاسب السياسية، ولكن الشعارات التي ترفعها مثل هذه التنظيمات وخطابها السياسي مركزان على إقصاء الآخر، سواء أكان مذهبياً أم دينياً أو في بعض الحالات عرقياً، والغريب أننا نجد من يمهدون ويبشرون لهذه التنظيمات يسرحون ولا يترددون في التصريح بالتعاطف مع تنظيمات تدمر مجتمعاتهم، ولديهم الأدوات المؤسساتية سياسياً وإعلامياً ولا يوجد من يحاسبهم، في هذه الظروف المعقدة والتي تحتاج إلى وقفة من الدول العربية لتشريع القوانين للتصدي لمثل هؤلاء المجرمين الذين لا يتورعون لقتل مواطنين أو أناس من أصحاب ديانات أخرى يعيشون بيننا، نجد التأخير في إصدار قوانين تحارب الكراهية والتميز العنصري على أساس الدين أو المذهب، ولكن ما أعلنته الإمارات من قانون يحارب التمييز والكراهية يعطي بعض الأمل بأن الدول العربية وبخاصة الخليجية في الطريق إلى تشريع مثل هذا القانون. والقضية هي مسألة وقت ونجد تلك الدول تحذو ما قامت به الإمارات، وأعتقد بأن في استصدار مثل هذه التشريعات كنقطة أولى هو تبرئة الأجهزة الرسمية في أي دولة أنها متآمرة أو راضية أو مجاملة لبعض التيارات الدولية أمام المجتمع الدولي، وأنا لا أدعو إلى استخدام تشريع هذه القوانين في المحاججة لدولنا في المحافل الدولية، ولكن القضية المهمة أن نكون جادين في تنفيذها على الكل؛ لنحمي أنفسنا من التيارات المتشددة التي متى تُركت تمارس عبثها فلن يسلم منها أحد، وسيصبح الأمن الذي نعيشه في خطر حقيقي، ولن ينفعنا الندم حين ذاك.
إن مثل هذه القوانين التي تحارب الكراهية هي تؤسس لثقافة قبول الآخر، وتنشر مبدأ التعايش السلمي على أساس المواطنة الحقة ولا تترك ثغرات لمن يريدون بث الفرقة في مجتمعاتنا، فالخلافات الدينية والمذهبية قائمة منذ آلاف السنين، وعلينا احترامها وليس فرض ما تراه جماعة معينة على الكل، وحتى إن وصل إلى حد القتل والتفجير، فمن يفجرون يدَّعون أنهم من يمثلون الدين الحق ومن يقتل مسلمين، وهذه هي المأساة.
هناك فوضى في إطلاق الأحكام من بعض الأفراد والجماعات، ولن يتصدى لهم إلا بتشريع مثل هذه القوانين وتطبيقها بصرامة، كما نقرأ عنها في الدول المتقدمة والتي تحمي الأقليات، ومنها المسلمة في بعض الدول الغربية. نعم هناك بعض التجاوزات هنا وهناك، ولكن في أروقة المحاكم القانون هو المنتصر دائماً، لاسيما إذا قامت مؤسسات المجتمع المدني في دعمها وفضح أي انتهاكات مخالفة لها.
المصدر: الحياة