جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

الإنترنت للثورة… الإنترنت للنهضة

آراء

في مبنى أنيق بشارع العليا وسط الرياض، اجتمع نُفر من الشباب السعودي مع قيادات شركة «غوغل»، التي غيّرت العالم ولا تزال تفعل. كان حديثهم كيف يجب أن تتحوّل السعودية أيضاً؟ إنهم نخبة الجيل الذي يشكّل 60 في المئة من سكان البلاد، كلّ له شخصيته وخلفيته، عصاميون وأبناء أثرياء، عامة وأمراء، رجال أعمال وأصحاب مبادرات وموظفون، نساء ورجال، ولكن يجمعهم الإيمان بقوة الإنترنت.

أحدهم استعرض على الشاشة صورة الثوار العرب وهم يحيون الإنترنت، صورة واحدة اختصرت الموقف، لوحة رفعها أحدهم تقول: «ثورات زمان سلاحها الكلاشنيكوف والمولوتوف، ثورتنا سلاحها تويتر وفايسبوك» هذا في مصر، أما بين سعوديي لقاء «غوغل»، فلا أحد يريد ثورة، بل تحولاً نهضوياً حقيقياً شروطه أربعة هي «المعرفة وانتشار الإنترنت وتحويله إلى قيمة اقتصادية، والتوسع بالتجارة الإلكترونية»، هذه الشروط الأربعة كفيلة بتغيير وجه السعودية إلى دولة ليست قوية اقتصادياً فقط، وإنما تتمتع برخاء مجتمعي ومساهمة في النتاج المعرفي العالمي، قال ذلك عبدالرحمن طرابزوني، شاب سعودي تخرج في أعرق الجامعات الأميركية (أم اي تي)، وأضحى مديراً لـ «غوغل» في المملكة، كانت والدته تنظر إليه بفخر في مقعد خلفي.

محمد جودت شاب مصري يعمل مديراً عاماً لـ «غوغل» في الشرق الأوسط، بشرنا نحن السعوديين أننا لسنا أكبر اقتصاد في المنطقة فقط، وإنما أكبر منتجين للمحتوى التقني أيضاً، وأكبر مستهلكين أيضاً له في المنطقة. قبل أن نحتفل بهذا، نبهنا إلى أن هذا المحتوى يقتصر حالياً على الترفيه والإعلام الاجتماعي، ولكنه ذكر خبراً آخر جيداً، ان نسبة انتشار الإنترنت ترتفع اطراداً عندنا، فوصلت هذا العام إلى 50 في المئة من البيوت السعودية، هذا واحد من الشروط الأربعة التي ذكرها طرابزوني للنهضة بواسطة الإنترنت، ولكننا لا نزال متخلفين في الثلاثة الأخرى، ولنبدأ بأهمها وهي توظيف الإنترنت في المعرفة.

هنا انتقل النقاش إلى توافر الإنترنت في البيئة التعليمية بالجامعات السعودية. هل تتذكرون احتجاجات جامعة الملك خالد بجنوب البلاد؟ كان من جملة شكاوى الطالبات عدم توافر الإنترنت في الجامعة، بل منع أجهزة الكومبيوتر المحمولة بشكل صارم. قمت باستقصاء غير علمي في «تويتر» أثناء لقاء «غوغل» الذي استمر بضع ساعات، فسألت من يتكرم بمتابعتي هناك من الطلبة والطالبات عن الجامعات التي تتوافر بها شبكة مفتوحة للطلبة والطالبات؟ النتيجة مؤلمة. معظم الجامعات تفتقر لذلك، خصوصاً جامعات الأطراف، ومن تتوافر بها الشبكة، فهي إما معطلة أو مغلقة على الأساتذة. بعض الجامعات لا تزال تعتقد أن توافر الإنترنت يعني بضعة عشر جهازاً في المكتبة يتناوب عليها الطلبة وفق شروط وضوابط. الطالبات يعانين من تمييز أكثر، إذ يبدو أن العميدات ما زلن يعتقدن أن الإنترنت «مفسدة» وأي مفسدة. طالبة ردت على استفساري قائلة: «أن أدخل متفجرات معي الى الكلية، أسهل من اصطحاب كومبيوتر شخصي محمول».

بينما ننتظر أن يقتنع عمداء الكليات بأن الإنترنت بات جزءاً أساسياً من أدوات البحث والتعليم الجامعي، وأن عليهم تطوير قدراتهم هم وأساتذة الجامعة في توظيفه في المهمة التعليمية، فإن نحو 9 آلاف شاب سعودي وشابة سيتخرجون هذا الصيف من الجامعات الأميركية والبريطانية ويعودون الى الوطن. هؤلاء عاشوا في بيئة تعليمية تتعامل مع الإنترنت كالماء والهواء، هو مصدر البحث والمعرفة، هؤلاء سيكونون مميزين على أقرانهم خريجي الجامعات المحلية.

توافر شبكة الإنترنت العالية السرعة في حرم الجامعة بات أساسياً وعنصر تميز في عملية التعليم، بما في ذلك نشر البحوث والكتب على الشبكة، ولا يزايد أحد، فالأرقام تقول إننا لا نزال أقل لغات الأرض في إضافة المحتوى العلمي والثقافي. وأعجب من رؤساء الجامعات عندما يرسلون الوفود بعيداً حتى كوريا الجنوبية لدرس أسباب النهضة هناك، بينما الحقيقة ماثلة أمامهم، ان ضعوا كل ما عندكم من بحوث وكتب على الشبكة، ان زيارة واحدة لمتجر «آي تيون» الذي خصص ساحة للمواد الأكاديمية مجاناً iTunes U، وسيذهل سعادة العميد من آلاف الساعات الموجودة لمحاضرات أكاديمية في شتى العلوم.
هذا في «آي تيون» فقط الذي نعرفه ونستخدمه للترفيه أكثر.

الجامعات ووزارة التعليم العالي مقصرة، ولكن القطاع الخاص مقصر في واحد من الشروط الأربعة للنهضة، التجارة الإلكترونية، ولكنه في الغالب سيلوم «غياب التشريعات والحماية البنكية».

ثمة علاقة بين سرعة النمو ومدى استخدام قطاع الأعمال للإنترنت. روى جودت قصتين نموذجيتين، الأولى من بولندا التي شجعت بمبادرة من «غوغل» الشركات الصغيرة والمتوسطة على أن يكون لها موقع على الشبكة، حققت بولندا نجاحاً بنسبة 50 في المئة، وأثبتت الإحصاءات أن هذه الشركات باتت أسرع نمواً من أخواتها الغائبات عن الشبكة. النموذج الآخر صارم كعادته. تركيا فرضت قانوناً على الشركات صغيرها وكبيرها يلزمها بتأسيس موقع على الانترنت وإلا الغرامة والسجن. النتيجة هي نسبة النمو الهائلة هناك. بل انها فرضت على الجميع بما في ذلك صاحب النقالة في آخر الشارع ألا يسلم كشفه الضريبي إلا عبر الشبكة العنكبوتية، ولا يعذر في ذلك عجوز يجهل استخدام التقنية، فالرد التركي الصارم سريع: اطلب من ابنك أو ابنتك إعدادها لك، الهدف واضح هو نشر استخدام الانترنت على أوسع نطاق.

كان عالماً مختلفاً داخل ذلك المبنى الأنيق عن العالم الحقيقي خارجه. أمانة الرياض وشرطتها بما حباهما الله من مال وصلاحيات تعجزان عن توفير مواقف سيارات مثل مدن العالم الراقية التي يعرفها المسؤولون جيداً. انه التحدي الذي يواجه كل العرب، ردم الهوة بين أجيال، لم يعد يكفي أن يقوم المسؤول العتيق بتوظيف الشاب ويقول له «ورينا ما ستفعله بما تعلمته في أميركا وما ستستخدمه من هذا الذي تسمونه انترنت وأدواته». انه لا يعرف القدرات الجبارة لهذا الانترنت، وليته يتنحى قليلاً ويترك الشاب يقوم بعمله، حتى لا ينشغل الطرفان فقط بردم المسافة بين عالم الانترنت الافتراضي الذي ينمو بسرعة حتى سيصبح خامس اقتصاد عالمي، وبين العالم البيروقراطي الحقيقي، الذي يعجز عن حل مشكلة موقف السيارات…
هل سمع المسؤول أصلاً بـ «غوغل إيرث»؟

دارالحياة – السبت 24 مارس 2012