أصبحت التحالفات سمة العصر، ووسيلته لفض المنازعات، ليس عسكريا فقط، بل اقتصاديا بالدرجة الأولى، بمعنى الاستثمار والأسواق المشتركة والتسهيلات الممنوحة لأهداف مشتركة. اكتشف القوم إمكانية حل المنازعات عن طريق التحالف، إيران، مثلا، كانت على شفا حرب مع أمريكا بعد حصار اقتصادي دام أكثر من عقد، صارا متحالفين تجمعهما صفقات كبيرة، سواء من الأموال التي كانت مجمدة لإيران أو العائد من العقود الجديدة، وقيل لا عداوات ولا صداقات دائمة في العلاقات الدولية إنما مصالح دائمة. وليس شرطا أن يكون التحالف بين أنداد، يكفيه تجمع قوى متنوعة تكمل بعضها في تكتلات اقتصادية كبرى تمنح أصحابها قوة التأثير في القرارات الاقتصادية على مستوى العالم، وبالتالي قرارته السياسية.
لم تعد معادلة النزاعات العالمية صفرية تنتهي بانتصار طرف وخسران آخر، اكتشف القوم طريقا ثالثا لاقتسام المكاسب والخسائر، وإن بنسب متفاوتة تحددها قوة اقتصاد كل دولة داخل التكتلات المنشأة. انتهت الفردانية في السياسة الدولية، انتهى ما كنا نسميه عالم القطب الواحد والقطبين، حتى مفهوم الدول العظمى تغير ولم يعد يرتكز على القوة العسكرية وحسب. تركت بريطانيا بيتها الأوروبي للتحالف مع أمريكا حماية لمصالحها حول العالم، وهما المتفقتان على تجيير مصالح الغير لصالحهما، واختارت الصين – رغم العداء التاريخي – التحالف مع روسيا ضد الغرب تلبية لمصلحتها الاقتصادية.
التحالف يبنى على نظرة بعيدة المدى، ليس مغامرة وقتية أو قفزة نحو المجهول، ولا يأتي كرد فعل أو تهديد بفعل أو تحول، كل هذا يتنافى مع التفكير الإستراتيجي المؤطر لأي تحالف، هو فعل مستقبلي وتخطيط لتحقيق و/أو صيانة مصالح عليا. توجهنا نحو الصين لم يأت من فراغ فهي من أكبر شركائنا الاقتصاديين، وكذلك اليابان، تنويع هذا التوجه وفتحه لمجالات التقنية والتدريب والتصنيع، سيساعد في تنويع مصادر دخلنا وخلق وظائف لقوتنا العاملة، ولن نحتاج كبير جهد هنا، فالصين واليابان، وربما كوريا الجنوبية قريبا، أسواق مفتوحة وواعدة استثمارا صناعيا وتقنيا، نحتاج فقط حسن الاختيار وحسن التنسيق. تذكرون رد السفير الصيني قبل سنين قلائل حين سئل في الرياض عن تدني جودة المنتوجات الصينية، قال هذا اختيار تجاركم، يتركون الجيد ويشترون الأقل جودة.
الذهاب شرقا للمتاجرة في سلع وبضائع لن يفيدنا شيئا، بل ينبغي أن يكون لتأسيس شراكة طويلة المدى متنوعة الاستثمارات، تهدف لقيام اقتصاد قوي متعدد المصادر وليس مجرد تضخيم شراكة تجارية. الأخبار القادمة من الشرق، بعد الزيارة، تنبئ بشيء من هذا، والأمل اعتباره رافدا مهما لاقتصادنا، الأمل اعتبار التوجه شرقا هدفا إستراتيجيا.
المصدر: عكاظ