باحث إماراتي
تناول الإعلامي القدير الأستاذ عبد الرحمن الراشد في مقالته بصحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 26 يوليو (تموز) 2015، المعنونة بـ«خلاف الخليج مع الأميركان تفاصيل» في جزئها الأول، جوانب خلُص بها إلى أن الاتفاق هو في حد ذاته انحناءة بزاوية تسعين درجة من نظام إيران، وأن الغرب قد رَكّعَ إيران، وأن ما لدى دول الخليج، وتحديدًا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والكويت وقطر من إمكانية يحول دون أن يجعل إيران بديلا لها.
نسير مع القارئ في هذه المقالة لنرى حقيقة ما إذا ربحت إيران أم كانت خاسرة من هذا الاتفاق النووي.
بداية، وللوصول إلى مقاربات لهذا التساؤل، فإنه يتعين علينا بادئ ذي بدء أن نضع معايير لقسطاس خسارة إيران أو نجاحها من هذا الاتفاق. فهل المعيار يرتكز على عقد مقارنة بين ما حققته إيران وما خسرته من هذا الاتفاق في مقابل دول الخليج والعكس؟ أم نعقد المقارنة بين إيران والدول الغربية وتحديدًا الدول التي سعت لفرض عقوبات دولية وقامت بفرض عقوبات أحادية عليها؟ أم أن قسطاس الربح والخسارة بين إيران نفسها قبل وبعد الاتفاق وما إذا كانت رابحة أم خاسرة؟
أتفق تمامًا مع الأستاذ عبد الرحمن الراشد في أن إيران لن تكون بأي حال من الأحوال بديلا عن دول الخليج وثقلها الإقليمي والدولي، حتى وإن عادت إلى أوج قوة اقتصادها وإن كان بعد سنوات.
ولكن السؤال هنا: هل من عقد الاتفاق كان يسعى لتحقيق هذه المعادلة؟ أي أن الوصول إلى هذا الاتفاق يعني إزاحة دول الخليج والاستغناء عنها؟ واقع الحال أن كلا الطرفين، ونقصد هنا إيران ومجموعة «5+1»، لم يكن ذلك ضمن حساباته. فلا النظام الإيراني قادر على ذلك، ولا مجموعة «5+1»، وتحديدًا الولايات المتحدة، تسعى لخسارة حلفائها التقليديين في المنطقة.
ما الذي تحقق في هذا القسطاس إذن؟ يكفي التصريحات الغربية المباشرة بعد توقيع الاتفاق وحتى قبلها، ومنها تصريح وزير الخارجية البريطاني الذي أكد على ضرورة التعاون مع الجانب الإيراني، انطلاقًا من دورها وحضورها الإقليمي لنستدرك أن النظام الإيراني حقق مبتغاه هنا، والذي ظل يُصرّ عليه والمتمثل في اعتراف الدول الغربية بنفوذها وحضورها الإقليمي، لينتقل من مجرد تعاون غير رسمي إلى تعاون مُعترف به، بل ومطلوب من قبل الغرب نفسه، وهو ما جعل مستشار المرشد للشؤون السياسية والدولية يقول إن إيران تطالب بأن يكون لها حضور ودور أكبر في القضايا الإقليمية.
هل في المقابل يتوجب علينا القول إن دول الخليج هي الخاسرة هنا؟ يتوقف الأمر هنا على جانبين:
الأول: هامش المساحة الذي يقصد الغرب منه بأن إيران دولة إقليمية مؤثرة ولا بد من حضورها في ملفات المنطقة، ومدى دفع النظام بهذا الهامش إلى أقصى درجاته.
الثاني: تلك المساحة التي يتوجب على دول الخليج والدول العربية فرضها بحيث يأتي هامش المساحة للنظام الإيراني وفق أهميتها الإقليمية وضرورة حضورها، وليس وفق طموحاتها ورغباتها التي لا تخفى على أحد، ويصرح بها المسؤولون الإيرانيون علانية، ولا يجدون فيه غضاضة، فها هو عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين الإيرانيين يقول: «حين تدعو الضرورة لإرسال أسلحة إلى حلفائنا في المنطقة، فإننا سنفعل ولن نخجل من ذلك».
وعودًا إلى الاتفاق النووي، ولمعرفة ما إذا كانت إيران خاسرة أم رابحة، فإنه لا مفر من تمحيص ذلك وفق المنظور القريب والمنظور البعيد لتبعات هذا الاتفاق. فعلى المنظور القريب فإن هذا الاتفاق في حد ذاته انحناءة بزاوية تسعين درجة من نظام إيران، كما تفضل الأستاذ عبد الرحمن الراشد، ولكن يرتهن الأمر على منظورنا لهذه الانحناءة:
الأول: هل هذه الانحناءة تكتيكية حتى مرور العاصفة، وتُجسد بدورها ما يُعرف في القاموس السياسي للمرشد الإيراني بـ«المرونة البطولية» التي تأتي في أبسط صورها بأن تتماشى مع الخصم في خطواته، لأن رد الفعل بصورة عكسية في ذات الوقت يؤدي إلى أضرار جسيمة لك، وبالتالي تسايره علّك تعود لاحقًا وتنتهز فرصةً أفضل؟ أم أنه ركوع إيران لمطالب الغرب ورغباته؟
الحقائق تجيب عن هذا التساؤل، وتتمثل في:
• احتفاظ إيران بجميع منشآتها النووية.
• انتزاع الموافقة من الطرف المقابل بالاستمرار بالاحتفاظ بدورة التخصيب الكاملة، وهو في الواقع درة تاج الاتفاق النووي بالنسبة إلى إيران.
• برنامج نووي متكامل تم تأييده من قبل مجلس الأمن.
• انتعاش اقتصادي واستثمارات مستقبلية منتظرة حتى ولو بعد حين.
• العودة إلى السوق النفطية ورفع معدل الإنتاج، إذ من المتوقع أن يصل تصدير النفط الإيراني مع نهاية 2016، إلى ما يقارب مليونين ونصف مليون برميل، وهذا هو الهدف المنشود من النظام الإيراني والعودة إلى موقعها الطبيعي إلى في منظمة أوبك، وليس القصد أن تعوض الغرب عن نفط دول الخليج العربي.
• رفع القيود عن البنك المركزي الإيراني والتحويلات المالية، وكذلك شركة النفط الإيرانية، وبالتالي رفع القيود والتردد من التعامل مع إيران في الجانب الاقتصادي.
إذن ما خسائر المدى القريب للجانب الإيراني من هذا الاتفاق؟ وهل يعوضها المدى البعيد له؟ لنمحص التالي:
• تقييد البرنامج النووي لمدة عشر سنوات. ولكن ما المنظور البعيد لذلك؟ يكفينا هنا ما يراه أعتى المتشددين لهذا الاتفاق لندرك نتيجة المنظور البعيد، إذ يرى أن قمة نجاح هذا الاتفاق في حرمان إيران من الحصول على القنبلة النووية لمدة عشر سنوات، ثم يحيل الأمر برمته بعد ذلك إلى الرئيس والإدارة التي ستأتي لاحقًا للبيت الأبيض ليتصرف وفق ما يراه مناسبا.
هل الإرث التاريخي يُنقش على الصخور، أم يُكتب على رمال شواطئ البحر ويُدعى له أن لا تمحوه أمواج البحر؟
• ستُحرم إيران من استيراد الأسلحة لمدة خمس سنوات وتقنية الصواريخ الباليستية لمدة ثماني سنوات، ولكن يأتي المدى البعيد ليُعيد لها ذلك.
أما في ما يتعلق بعمليات التفتيش وتحديدًا المنشآت العسكرية، فإنها أعقد بكثير مما نتوقع، وقد تركت مساحة يتقنها الإيرانيون بشكل كبير وهي مسألة التسويف والمماطلة لا تتسع مساحة هذا المقال للخوض فيها.
إذن فالـ90 درجة ما هي إلا انحناءة المرونة البطولية التي جنى منها النظام الإيراني مكاسب، يتبعها مباشرةً 270 درجة أخرى يحقق فيه النظام الإيراني مكاسب أخرى على المدى القريب والبعيد.
كل ما تقدم لا يزال رهنا بمدى التزام الأطراف بالاتفاق وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقبل هذا وذاك مراجعة الكونغرس الأميركي له.
القول بأن قسطاس هذا الاتفاق يصب في جهة ربح النظام الإيراني لا يعني أننا نصفق له، كما أن خسارته لا تعني أننا شامتون فيه. إن الأمر برُمته يتمثل في ضرورة قراءة الأمور بواقعية لكي تبنى الاستراتيجيات وفق معطيات صحيحة تُعطي لإيران حضورها في المنطقة وملفاتها وفق هامش اعتبارها دولة إقليمية وليس وفق رغباتها.
بين الرغبات والهامش الإيراني تأتي المساحة الخليجية والعربية التي لا يمكن المساومة عليها أو تركها للآخرين ليقرروا أبعادها أو يجتزوها.
المصدر: الشرق الأوسط