كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد
خلال ثلاثة أعوام فقط، تحول واقع الكثير من المؤسسات في القطاعين العام والخاص من التعرف على الشبكات الاجتماعية (تويتر، فيسبوك، إنستجرام، إلخ)، وما يمكن أن تضيفه لتلك المؤسسات، وما إذا كان عليها أن تتواجد هناك إلى حال مختلف تماما حيث صارت تبحث عن أفضل السبل لتحقق ذلك التواجد الذي يحقق أهدافها من جهة، ويحميها من جهة أخرى من الحملات السلبية ضدها.
هناك إدراك خفي أن الناجحين اليوم (مؤسسات ومسؤولين وعلامات تجارية) يحققون جزءا كبيرا من تسويق نجاحهم وإبراز إنجازاتهم ومكانتهم بسبب الشبكات الاجتماعية، ولو لم تجد هذا مكتوبا بأحرف بارزة في كل مكان، فهو شعور يتسلل إلى النفوس، ويجعل الجميع يتسائل عن كيفية تحقيق نجاح مماثل.
من جهة أخرى، ما زالت هناك مؤسسات تعيش في وهم حول دور الشبكات الاجتماعية، وتظن أن استخدام هذه القنوات يهدف إلى توصيل معلومات أو رسالة معينة عن منتجاتها، لأن الإعلام الاجتماعي قد غير جذريا آليات التعامل بين المؤسسات والجمهور، حيث صار للجمهور صوت مباشر ومؤثر يتحدث به مع المؤسسة، والمؤسسات كانت يوما تنفق ملايين الدولارات لتعرف رأي الجمهور (فيما يسمى بأبحاث السوق)، ولكنها اليوم تتلقى ضخا من رسائل الجمهور الإيجابية والسلبية على مدار الساعة عبر مواقع الشبكات الاجتماعية.
هذا بحد ذاته يتطلب من المؤسسة قدرة فعالة في التعامل مع هذه الرسائل والتجاوب معها وإحداث التغيير السريع في بنية المؤسسة وخدماتها بناء على هذا الصدى الجماهيري الضخم، والمؤسسة التي لا تفعل ذلك تستفز الجمهور وتضطره لإرسال المزيد من الرسائل الغاضبة التي قد تترك آثارها الحادة لاحقا على المؤسسة كما حصل في حالات كثيرة على المستوى المحلي أو العربي أو العالمي.
لكن التحدي العملي أمام المؤسسات يظهر عندما تحاول وضع الميزانيات الخاصة بحملات الإعلام الاجتماعي، حيث ينتج السؤال الصعب الذي ما زالت الإجابات عنه محدودة وغير دقيقة، وهو كيف نعرف كمؤسسة أن استثمارنا في مجال الإعلام والتسويق الاجتماعي قد عاد على المؤسسة بالعائد المطلوب، وكيف نقيس هذا العائد على الاستثمار (Return on Investment) أو (ROI). يبدو السؤال معقدا لمن هم بعيدون عن مجالات التسويق عموما، ولكنه سؤال يطرح عادة مع كل حملة تسويقية تنفق عليها المؤسسات والشركات، حتى تتأكد المؤسسة أن جهودها التسويقية تمضي بفعالية ونجاح.
فيما يلي بعض النقاط الخاصة بالإجابة عن هذا السؤال:
• الدراسات تؤكد أن هناك علاقة إيجابية مضطردة بين الإنفاق على الإعلام الاجتماعي وبين ارتفاع نسبة الأرباح والدخل لدى الشركات الكبرى.
• الإعلام الاجتماعي والتفاعل المكثف مع الجمهور له آثاره المتعددة على المؤسسة بشكل عام من ناحية: إدارة السمعة، المصداقية، المبيعات، ارتياح العميل، الولاء للمؤسسة، التطوير.
• لذلك، فإن قياس فعالية الإعلام الاجتماعي يعني قياس كل مظاهر التغير لدى المؤسسة.
• قياس عائد الاستثمار من الإعلام الاجتماعي قد لا يبدو أحيانا ضروريا نظرا لمحدودية التكلفة، ولكنه هام لأنه في العادة يتطلب جهدا ضخما من المؤسسة لتحقيق “التفاعلية المكثفة”.
• التفاعلية المكثفة هي صياغة جديدة كاملة وتطوير جذري للمؤسسة، والاستعجال في تحقيق العائد من الاستثمار هو أمر خاطئ!
• عشرات الدراسات والاستطلاعات توضح أن العائد من الاستثمار في حملات الإعلام الاجتماعي أعلى بكثير من حملات الصحف والتلفزيون والتسويق المباشر!
• تحديد الأهداف بوضوح من حملات الإعلام الاجتماعي هو المفتاح لقياس فعال للعائد من الاستثمار.
• هناك معايير لنجاح حملات الإعلام الاجتماعي، وأبرزها خمسة معايير هامة هي: اتساع رقعة الجمهور (Reach)، عدد الزيارات والتغريدات وإعادة التغريد والمتابعين والقراءات (Traffic)، عدد العملاء المحتملين الجدد الذين كسبتهم بسبب حملات الإعلام الاجتماعي (Leads)، عدد العملاء الذين نجحت في النهاية في كسبهم (Clients)، وأخيرا نسبة الأشخاص الذين تحولوا من عملاء محتملين إلى عملاء حقيقيين (Conversion Ratio).
• الأهداف هي التي تحدد لك القنوات التي يجب أن تركز عليها، فكل منصة اجتماعية لها ميزاتها، سواء كان فيسبوك أو تويتر أو إنستجرام أو لنكد إن أو جوجل بلس، والتركيز عليها جميعا قد يتطلب ميزانية كبيرة، ولذا لا بد من الاختيار مما يتناسب مع الأهداف.
• اختيار المعايير وتحديدها يجب ألا يكون عشوائيا وإنما بناء على الأهداف التي يراد تحقيقها.
• أدوات قياس أثر الإعلام الاجتماعي تتطور بسرعة، والبرامج المتاحة في ازدياد مضطرد، وكل موقع له أدواته.
• هناك ضعف في الأساليب المتاحة بالبحث بالعربي ضمن موقع فيسبوك وتويتر (والمتاح للشركات فقط)، وهذه الأدوات هامة جدا لتحليل التفاعل مع الشبكات الاجتماعية، وهي تتطور بشكل مذهل في الغرب، وما زالت متواضعة بشكل مؤسف عربيا.
في النهاية، الشبكات الاجتماعية استثمار، وليست تكلفة من تكاليف المؤسسة كما ينظر البعض، وحتى يتحول تفكيرنا فيه إلى استثمار حقيقي، فإن فهم العائد أمر أساسي، وهذا ما ألاحظ ضعفه بشكل لافت للنظر في كثير من ممارسات الشركات والمؤسسات الحكومية اليوم في هذا المجال.
المصدر: الوطن أون لاين