كاتب سعودي
من يقرأ ما يتداول من مؤشرات عن الاقتصاد السعودي في تويتر يخرج بنتيجة مفادها أننا على حافة الهاوية أو أننا نتحدث عن دولة قريبة من الانهيار مثل اليونان. فالأغلبية العظمى لديها اعتقاد أن البطالة تصل إلى 40 في المائة، وأن نظامي حافز ونطاقات فاشلان، ولن يحدثا أي تغيير في معدلات البطالة. وأن الفقر المدقع يصل إلى 20 في المائة، وأن الفقر المطلق أعلى من ذلك بكثير، وأن الطبقة الوسطى اضمحلت ولم تعد تمثل إلا نسبة صغيرة من المجتمع، وأن النفط سينضب لا محالة في 2030 أو قبل ذلك، وأن المساعدات الخارجية سواء لدول الربيع العربي أو غيرها من الدول كالمشاركة في صندوق النقد الدولي هي تبديد للأموال ولا فائدة مرجوة منها. ويرى الكثير أن ارتفاع الأسعار لن يخفض إلا بالمقاطعة، وأن أسباب ارتفاع الأسعار هو جشع التجار وعوامل داخلية مفتعلة. وهناك اعتقاد سائد بأن على الدولة إعطاء كل مواطن منزلا حال تخرجه في الجامعة، ولن تحل مسألة الإسكان إلا بفرض الضرائب على الأراضي البيضاء ومنع الاحتكار. وأن وزارة الإسكان لن تستطيع إضافة أي شيء يذكر لحل معالجة أزمة السكن. والبعض يرى أن على الحكومة جلب الاحتياطيات الأجنبية البالغة أكثر من تريليوني ريال لإنفاقها محليا. وينتشر في تويتر توجه سيئ نحو العمالة الوافدة وغير السعودية التي أسهمت بشكل كبير في بناء الاقتصاد واستمرار عجلة التنمية، بل إن البعض يرى أن الحلول لمعظم مشاكلنا تبدأ من خروج الأجانب من جزيرة العرب. وهي تعبيرات ونبرات قد تؤدي إلى نشر الكراهية ونبذ الآخر بطريقة ممجوجة.
ويتضح من ذلك حجم المبالغة الضخمة، وفداحة سيطرة المفاهيم المغلوطة في أذهان المغردين. خصوصا أن جل المغردين ينطوي عليهم سمات واضحة بأنهم من الطبقة فوق المتوسطة والغنية، وبنسبة تعليم عالية، وأن معظمهم متخرج في جامعات غربية. وهذه معضلة توحي بأن معظم أولئك المغردين جُبل على الإثارة والرغبة في إحداث التأثير وجلب الانتباه. يضاف إلى ذلك أن بعضهم يفتقد الفهم الواضح لآلية عمل الاقتصاد وكذلك استنباط واستخدام المؤشرات الاقتصادية في إطارها المعقول وغير المتناقض مع الإحصاءات الأخرى ومع واقع الحال. إذ إن مجرد القول إن نسب البطالة تقترب من 40 في المائة وإن نسبة الفقر تتجاوز 20 في المائة يجعلنا نعتقد أن نسبة عالية من المواطنين يعيشون في الشارع وعلى الأرصفة. وأن نسبة عالية لا تستطيع الحصول على قوت يومها. ويعتقد البعض أن مجرد جلب الاحتياطيات الخارجية وصرفها في الاقتصاد كفيل بحل مشكلات التعليم والصحة والنقل والإسكان، وكأن الموضوع هو نقص في الأموال، أو وجود عجوزات ضخمة في الموازنة، متناسين الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، وعدم قدرته على امتصاص الإنفاق الحكومي الراهن، فما بالك بجلب المزيد من الأموال. ناهيك عن أن ذلك يتعارض مع المفاهيم الأساسية لأهمية ودور بناء احتياطيات أجنبية.
وهناك سوء فهم أيضاً في احتساب معدلات البطالة وقياس حجم الطبقة الوسطى، فما يتم تداوله في تويتر يتعارض مع أرقام الإنفاق الاستهلاكي الضخم في الاقتصاد السعودي، حيث يصل الإنفاق من أجهزة الصرف الآلي ونقاط البيع إلى متوسط عال يبلغ نحو 60 مليارا شهريا، ناهيك عن وصولنا إلى أرقام تجاوزت الاستهلاك العالمي في المياه والطاقة، والشعير والقمح، والدواجن، وغيرها من السلع والمنافع في دلالة على ضخامة الطبقة الوسطى. ويمكننا الاسترسال حول أهمية دور المملكة في الاقتصاد العالمي وأهمية المساعدات الدولية في استقرار الاقتصاد الإقليمي والعالمي وتجنب الأزمات التي في النهاية ستضيف استقرارا لاقتصادنا وحفظا لاستثماراتنا في الداخل والخارج. والمملكة تتبنى سياسات دعم منذ السبيعنيات، وليست وليدة اليوم، منطلقة من دورها في قيادة العالمين العربي والإسلامي، مع أهمية النفط كمصدر رئيس وجوهري للطاقة في العالم. ولا يمكن لنا أن نعيش بمعزل عن العالم، بل إن العالم وهو يدرك أهمية الدور الكبير للمملكة لن يتجاهلها في المشاركة في تنمية الاقتصاد الدولي. ويمكنني الاسترسال للحديث عن الكثير مما استعرضته من مفاهيم تويترية مغلوطة. إلا أنني أريد قبل أن أختم أن أنوه إلى أن كثيرا من المغردين وهم يطرحون مثل تلك المفاهيم الغريبة لا يقدمون حلولا منطقية أو عملية، لتبرير ما يعتقدونه على أقل تقدير، ما يجعل المصيبة أعظم.
المصدر: الالكترونية الاقتصادية