أكد خبراء اقتصاد أن الاقتصاد القطري سيتعرض لحالة اختناق شديدة خلال أيام قليلة بسبب قرار مقاطعتها من جانب السعودية والإمارات والبحرين حيث كشفت الأزمة الحالية عن مدى هشاشته.
وأوضحوا أن قرار الدول الخليجية الثلاث بإغلاق حدودها الجوية والبرية والبحرية مع قطر سيؤدي إلى وجود ندرة شديدة في السلع الغذائية سواء الاستراتيجية أو التكميلية موضحين أن قرار المقاطعة اتسم بالمفاجأة والسرعة الشديدة مما أفقد الدوحة القدرة على تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والدقيق والسكر والزيوت حيث ستشهد الأسواق موجة حادة من ارتفاع الأسعار لتشمل كافة أنواع السلع الاستهلاكية وخاصة الغذائية.
ولفت الخبراء إلى أن قطر تستورد نحو 90% من وارداتها الغذائية من السعودية والإمارات بشكل خاص لافتين إلى أن القرار المفاجئ بالمقاطعة ظهرت آثاره واضحة خلال الساعات الماضية بتدفق الآلاف المواطنين والمقيمين في قطر على المراكز التجارية الكبرى لشراء أكبر كميات من المواد الغذائية تحسباً لأي شح متوقع.
وأكد الخبراء الآثار السلبية التي تخلفها المقاطعة على الاقتصاد القطري، الذي بدأ يشهد تراجعات غير مسبوقة في العملة وسوق المال، في خطٍ متوازٍ مع خوف متزايد داخل الشارع القطري من نقص السلع الأساسية.
ويأتي ذلك وسط محدودية البدائل التي يمكن لقطر اللجوء إليها لتلافي الآثار التي تخلفها المقاطعة على اقتصادها، حسبما يؤكد الخبراء والذين أشاروا إلى انخفاض الريال إلى أدنى مستوى له خلال 11 عاماً. كما شدد الخبراء على الاهتزازة الكبرى لجاذبية قطر بالنسبة للاستثمارات الأجنبية.
شح السلع
وقال رضا مسلم الشريك في شركة تروث للاستشارات الاقتصادية في أبوظبي إن حالة الشح ستظهر أولاً بشكل كبير في المواد الغذائية التي يكثر الطلب عليها وخاصة خلال شهر رمضان وبخاصة اللحوم والدواجن والأسماك ومن المتوقع أن تشهد خلال الأيام القليلة المقبلة شحاً كبيراً في هذه السلع الغذائية المهمة بعد أن أغلقت السعودية حدودها مع قطر علماً بأن هذه الحدود هي المنفذ الفعال وشبه الوحيد الذي تدخل منه برادات الخضار والفواكه واللحوم من الأردن وسوريا ولبنان ومصر.
وأضاف من المتوقع أن تشهد العديد من السلع الأساسية ندرة شديدة خلال الأيام المقبلة الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير وخلق موجات خطيرة ومخيفة من التضخم سيؤدي إلى خنق الاقتصاد القطري لا محالة.
وينوه رضا مسلم إلى أن استمرار إغلاق الحدود السعودية مع قطر سيجبر السلطة الحاكمة في قطر على الاعتماد بشكل أكبر على الجو، ما سيزيد من كلفة البضائع المستوردة، كما أنها ستحتاج إلى التعاقد مع موردين جدد لتوفير السلع لها بشكل سريع.
ويقول قد لا تكون التكلفة الباهظة لاستيراد السلع أمراً مقلقاً للسلطة القطرية الحاكمة حيث تتوافر لها الأموال لكن المشكلة هنا أن طول مدة الحصار ستكون مؤلمة وصعبة جداً موضحاً أن النقل البري هو الأفضل والأرخص لنقل السلع والمواد الغذائية وخاصة الخضار والفواكه، وقطر تعتمد على الخارج في توفير غالبية احتياجاتها المعيشية حيث إنها دولة استهلاكية بامتياز ولا يوجد لديها إنتاج محلي وتعتمد بصورة أساسية على الأسواق السعودية.
ويضيف مشهد الطوابير الطويلة أمام المتاجر في قطر لشراء المواد الغذائية بدعوى تخزينها خشية أن تنقص من الأسواق سيستمر لأيام كثيرة وستظهر فئات من التجار الجشعين وقد لا تتمكن الحكومة القطرية من السيطرة على الأوضاع كما أن المواطنين القطريين الذين نعموا في الرخاء لسنوات طويلة لن يصبروا كثيراً على هذا الخنق الحقيقي لاقتصادهم.
ويضيف الخبير الاقتصادي رضا مسلم: إذا لم تحل الأزمة مع قطر خلال أيام معدودة فإن الاقتصاد القطري سيتعرض لحالة شديدة من الاختناق ستؤدي لا محالة إلى عواقب وخيمة سيجني المواطن والمقيم في قطر آثارها واضحة.
الأزمة تتصاعد
وقالت عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب المصري النائبة بسنت فهمي لـ البيان إن تأثير المقاطعة العربية يظهر على المدى القصير على الاقتصاد القطري بصورة واضحة والأمور مرشحة للتفاقم حال تواصلت الأزمة، ليتأثر الاقتصاد بشكل كامل، غير أنها توقعت أن يتم تدارك الأمور وحلها قريباً.
وشددت البرلمانية والخبيرة الاقتصادية المصرية على أن المقاطعة تؤثر بصورة كبيرة، ولا سيما على توافر السلع الداخلية بقطر، وخطورة الأمر على الاقتصاد الداخلي تتوقف على مدى الاستعدادات التي تتبعها الحكومة القطرية وطبيعة الخطة الاستراتيجية للمواجهة، ولا سيما أن قطر دولة غنية.
وقالت بسنت فهمي إن المقاطعة خطر كبير على الاقتصاد و تنهك الشعب والحكومة لافتةً إلى أنه بلا شك تتأثر العملة القطرية بصورة واضحة ويقل الطلب عليها، كما أن سوق المال القطري يتأثر بصورة كبيرة ويشهد عمليات تخارج؛ لانعدام الثقة والمخاوف الدائرة بشأن وضع الاقتصاد القطري.
هشاشة الاقتصاد
وكشفت الأزمة التي تعاني منها قطر مدى هشاشة الاقتصاد القطري، وهو ما ألمح إليه رئيس المجموعة الاقتصادية بحزب مستقبل وطن الخبير الاقتصادي المصري الدكتور فخري الفقي، والذي لفت إلى أن الاقتصاد القطري يتأثر بصورة كبيرة جراء المقاطعة العربية، ومن المتوقع أن تكون هنالك خسائر فادحة، وهو ما ظهر سريعاً على مؤشرات البورصة القطرية التي شهدت تراجعات حادة فور قطع العلاقات مع الدوحة، وخروج الأموال الساخنة خارج قطر لافتًا إلى أن قرارات وقف التعامل مع البنوك القطرية من شأنها كذلك أن تؤثر على تعطل فتح اعتمادات الاستيراد ومن ثم التأثير سلباً على تدفق الواردات وورود البضائع، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار.
كما لفت فخري الفقي إلى استشعار المواطنين القطريين الخطر، وقيامهم بالاصطفاف في المتاجر والبنوك، وجميعها عوامل مؤكدة على خطورة موقف الاقتصاد القطري، رغم الاحتياطي النقدي القوي للدوحة الذي قد يمكنها من مواجهة المقاطعة، بينما يتزايد الأمر خطورة لدى استمرار وتواصل المقاطعة مشيراً في السياق ذاته إلى الأزمة التي سوف يعاني منها الإعلام القطري وخاصة القنوات الرياضية، الأمر الذي ينعكس على واقع الاقتصاد القطري، جنباً إلى جنب وخسائر قد تصل نسبتها إلى 50% للطيران القطري عقب إغلاق المجال الجوي والبحري في وجهه.
ورأى أن جاذبية الاقتصاد القطري للاستثمارات الأجنبية قد اهتزت بقوة.
محدودية الخيارات
وقالت الخبيرة الاقتصادية المصرية عنايات النجار إنه في ظل محدودية الخيارات التي يمكن لقطر اللجوء إليها وخاصة أنها لا تنتج شيئاً فإن هنالك آثاراً سلبية وخيمة يشهدها الاقتصاد القطري على عدد من المحاور، بداية من ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم، مشيرة إلى مشاهد تدفق القطريين على المتاجر لاستشعارهم الخطر، وهو ما يؤكد ارتفاع نسبة التضخم، فالشعب يشعر بأنه شعب غني لكن قد لا يجد ما يشتريه من سلع أساسية.
وأفادت عنايات النجار بأن مشكلة السلع هي الأكثر تفاقماً حتى الآن، وحتى لو استعاضت قطر عن دول الجوار الخليجية في السلع ولجأت لدول أخرى مثل تركيا فإن الأمر أكثر تكلفة ووقتاً مشيرة – في تصريحات خاصة لـ البيان – إلى التداعيات السلبية للمقاطعة على سوق المال القطري، كما توقعت تراجع التصنيف الائتماني للدولة. في الوقت الذي قالت فيه إن جاذبية الدوحة للاستثمارات سوف تتراجع بصورة ملحوظة، إذ لا يمكن لأي مستثمر الرهان على دولة يقاطعها جيرانها واقتصادها مُهدد على ذلك النحو مما ينذر بتراجعت حادة في التدفقات الاستثمارية.
تراجع العملة
واعتبر الخبير الاقتصادي المصري الدكتور مختار الشريف أن المقاطعة الحالية تؤثر بصورة كبيرة جداً على قطر، رغم أن الدوحة لديها من البدائل التي تسعى للاستعانة بها سواء من خلال ما لديها من احتياطي أو من خلال دعمها من قبل تركيا وإيران.
وأوضح أن العملة القطرية سوف تواصل تراجعاتها الحادة على ذلك النحو جراء الأزمة الراهنة، حتى يتم حل تلك الأزمة وتداركها، كما أن الاقتصاد القطري فقد جاذبيته الاستثمارية بشكل كامل ولا سيما في القطاع المالي.
وأوضح أن المشكلة الرئيسية والسريعة تتمثل الآن في أزمة السلع الاستهلاكية غير المتوافرة، وكذا تأثر التحويلات المالية المختلفة، إضافة إلى تأثيرات قطع خطوط النقل البحري والجوي والبري، بما يحكم الحصار ضد قطر حتى تتراجع عن سياستها. وقال إن ذلك كله ليس المستهدف به الشعب القطري، لكن الأمر متعلق بسياسة الدولة القطرية التي يجب أن تكون قد استوعبت الدرس جيداً.
فقد الثقة
من جانبه يرى خبير الاقتصاد الدكتور ناصر قلاوون أن الأزمة الحالية ستدفع الأسعار للزيادة في المدى المتوسط. هناك افتقاد للثقة وهي هامة في التعاملات الاقتصادية والاقتراض البنكي. نسفت الثقة اللازمة داخل الاقتصاد ويدفع ذلك للسحب من الاحتياط الاستراتيجي لدعم الغذاء. سترتفع أسعار السلع ويزيد التضخم لو طالت الأزمة لأكثر من شهر.
وأضاف إن أي أزمة سياسة تطال أولاً سوق الأسهم كما تراجعت العملة القطرية وتراجعت أسعار أسهم الشركات الدولية التي لها تواجد في قطر مثل فودافون. وستكون هناك حاجة إلى ضمانات أكثر في ما يتعلق بالصفقات والأعمال التي تقوم بها الشركات الدولية ، بعد شهرين قد تضطر تلك الشركات لأن تطلب تعويضات من الحكومة القطرية لخسائرها لأن الأزمة مفروضة عليها وسببت لها خسائر. وهنا تكون الحكومة ضامنة بالإضافة إلى شركات التأمين. وهنا يتم اللجوء إلى الصندوق السيادي القطري بصورة كبيرة.
الاستثمارات الأجنبية
وأضاف ناصر قلاوون أن هناك استثمارات لشركات كبرى وأفراد. في قطاع الغاز والبترول هناك شركات أجنبية مثل شيل ولا أتوقع فسخ عقود لشركات في الأمد القصير وبالتالي الشركات الكبرى معزولة عن الأزمة حتى الآن. أما شركات الخدمات مثل شركات خدمات النفط والطاقة فإن تبديل الشركات المزودة قد يعطل من الأعمال لتلك الشركات لتناقص فعالية الخدمة.
نزوح الاستثمار
ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية المتخصصة في المجال الاقتصادي أن المستثمرين في قطر يخشون من استمرار النزاع في منطقة الخليج مما قد يزيد من الضغوط على العملة القطرية “الريال” لو تأثرت إيرادات قطر من تدني حركة التجارة ومع بدء الاستثمارات الأجنبية الانسحاب إلى خارج قطر.
وقد حذرت وكالة فيتش المالية من أن امتداد النزاع لوقت أطول قد يكون له آثار وخيمة على التضخم والتجارة والسياحة والنمو الاقتصادي.
خسائر فادحة
كشفت صحيفة “فايننشال بوست” عن أن الخطوط الجوية القطرية تتعرض لخسائر كبيرة مع استمرار النزاع.
وأوضحت الصحيفة بأنه من المؤكد أن يؤثر هذا النزاع على استعدادات قطر لاستضافة كأس العالم نتيجة ارتفاع الفوائد على القروض لاستضافة كأس العالم. وأشارت إلى أنه من المتوقع ارتفاع تكاليف البناء مما يزيد نسبة التضخم والتي ستعاني منها القطاعات الإنتاجية والخدمية والاستهلاكية، وبما ينعكس بصورة سلبية على التضخم لدى المواطنين القطريين وأيضاً جميع المقيمين والزائرين.
المصدر: البيان