بعد ساعات على اعتذار رئيس الوزراء اليمني المكلف أحمد عوض بن مبارك عن استكمال مهمته السياسية، اتخذ الوضع الأمني في البلاد منحىً تصعيديا خطيرا في وقت قُتل 67 شخصا بينهم 20 جنديا في هجومين انتحاريين استهدفا تجمعا لأنصار المتمردين الحوثيين في العاصمة صنعاء وقوات الجيش في محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن حيث يزيد تفاقم الأزمة السياسية مخاوف انزلاق البلاد إلى حرب أهلية واسعة.

وأكد مسعفون ومسؤولون حكوميون لـ(الاتحاد) مصرع 47 شخصا بينهم أطفال في تفجير انتحاري استهدف صباح الخميس الحوثيين بينما كانوا يستعدون بدعوة من زعيمهم عبد الملك الحوثي للتظاهر ضد الرئيس عبدربه منصور هادي بعد ساعات على قبوله إعفاء بن مبارك من منصبه تحت ضغط الجماعة المسلحة التي نشرت مزيدا من مقاتليها في شوارع صنعاء بعد الهجوم الانتحاري.

وذكرت تقارير أمنية في مكان آخر أن عشرين جنديا قتلوا وأصيب 13 آخرون في هجوم انتحاري بسيارة ملغومة أعقبه هجوم مسلح على حاجز للجيش غرب مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت.

وقال مصدر في قيادة المنطقة العسكرية الثانية، ومركزها مدينة المكلا، إن «عناصر إرهابية إجرامية دموية جبانة من تنظيم القاعدة أقدمت فجر الخميس على مهاجمة نقطة الغبر بسيارة مفخخة تلاها اشتباك مع أفراد النقطة» من دون أن يخوض في التفاصيل.
ودرج تنظيم القاعدة منذ سنوات على مهاجمة قوات الجيش والأمن في اليمن إلا أنه في الآونة الأخيرة صعد هجماته لتشمل أيضا تجمعات المتمردين الحوثيين الذين تنامى نفوذهم بشكل كبير في البلاد.

وقال سكان وشهود لـ(الاتحاد) إن الانفجار كان قويا وسُمع دويه من الأحياء السكنية المجاورة لميدان التحرير، وأسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.

وذكر مسؤول في وزارة الداخلية اليمنية لـ(الاتحاد) إن الانفجار «ناجم عن تفجير انتحاري نفسه بحزام ناسف» في ما يشبه ذلك الذي تبناه تنظيم القاعدة واستهدف أواخر مايو 2012 قوات عسكرية وأمنية في ميدان السبعين، جنوب العاصمة، موقعا مائة قتيل ومئات الجرحى.

ووقع الانفجار أمام المقر الرئيسي للبنك اليمني للإنشاء والتعمير الواقع على المدخل الشمالي الشرقي لميدان التحرير واستهدف نقطة تفتيش تابعة للحوثيين وخلف عشرات القتلى الذين تمزقت أجساد بعضهم إلى اشلاء متناثرة على الطريق الإسفلتي.

وذكر عضو في اللجنة المنظمة لتظاهرة الحوثيين المناهضة للتدخل الأجنبي في البلاد، إن «التفجير الانتحاري استهدف الحزام الأمني لشباب الثورة في ميدان التحرير جوار بوابة البنك اليمني للإنشاء والتعمير» في حين ذكر شرطي يحرس مقر البنك لرويترز إن رجلا كان يرتدي حزاما ناسفا اقترب من نقطة تفتيش الحوثيين ثم فجر نفسه .

وأعلنت وزارة الصحة اليمنية مقتل 47 شخصا بينهم أطفال وجرح 80 آخرين في ما وصفته بـ«العمل الإرهابي الغادر والجبان» مشيرةً في بيان إلى أن الجرحى الذين نقلوا إلى أربعة مستشفيات في صنعاء «تتراوح إصاباتهم بين الخطيرة والمتوسطة والخفيفة».

ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ» عن مصادر في جماعة الحوثيين التي تُطلق على نفسها اسم «أنصار الله» وباتت تسيطر على مناطق واسعة في العاصمة صنعاء منذ 21 سبتمبر، إن 150 شخصا أصيبوا في التفجير بينهم 30 مصابا في حالة حرجة.

وقال أحد مؤيدي جماعة الحوثيين شارك في تظاهرة ميدان التحرير: «نتعهد ألا تذهب دماء الشهدا هدرا»، ملقيا باللوم على الرئيس هادي الذي تتهمه الجماعة بالتبعية للخارج خاصة بعد تكليفه الثلاثاء مدير مكتبه بتشكيل حكومة جديدة على الرغم من معارضة قوى سياسية.

وأمر وزير الداخلية اليمني، اللواء عبده حسين الترب، بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادث وهو الهجوم الذي دانته بشدة رئاسة الجمهورية والحكومة الانتقالية المكلفة تصريف الأعمال واعتبرتاه جريمة بشعة وحشية «تتنافى مع قيم ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف وأخلاقيات شعبنا النبيلة».

وقال مسؤولان رئاسي وحكومي في بيان مشترك، مساء الخميس، إن هذا الهجوم يعكس «الوجه القبيح لعناصر الإرهاب التي استمرأت سفك دماء الأبرياء وقتل النفس المحرمة تحت اسم الدين والدين منها براء»، مؤكدين أن الهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين ورجال الجيش والأمن «لن تثني أجهزة الأمن والقوات المسلحة عن مواصلة جهودها في مكافحة الإرهاب ودك أوكار الإرهابيين».

وشدد البيان على ضرورة تكاتف جهود اليمنيين لدعم قوات الجيش والأمن «حتى يتم التخلص من خطر الإرهاب» في إشارة إلى تنظيم القاعدة المتطرف الذي ينشط في الجنوب وتوعد مؤخرا بقتال «الحوثيين» الذين تنامى نفوذهم السياسي والعسكري والجغرافي خلال العام الحالي.

وسط هذه الأجواء انتشر مئات المسلحين الحوثيين، الذين يسمون أنفسهم باللجان الشعبية، في شوارع صنعاء وفرضوا إجراءات تفتيش على المركبات، كما أغلق آخرون الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير حيث أعلن العشرات من أنصار الجماعة الاعتصام لحين اختيار رئيس وزراء جديد تنطبق عليه المعايير التي حددها اتفاق السلم والشراكة الوطنية المعلن في 21 سبتمبر بعد ساعات من اجتياح المتمردين للعاصمة.

وقال القيادي البارز في جماعة الحوثيين، يوسف الفيشي: « ما حصل في ميدان التحرير يحتم على اللجان الشعبية بالتعاون مع رجال الأمن تعقب من يقفون وراء الجريمة والانتشار الأمني لحماية الأرواح والممتلكات».

وأضاف في منشور عبر موقع «تويتر» مخاطبا مسلحي الجماعة المتمردة في الشمال منذ عام 2004، :«أحكموا قبضتكم الأمنية على العاصمة ومن قرح يقرح (..) أرواح الناس أمانة في أعناقكم».

وقال الحوثيون إنهم أحبطوا في وقت مبكر الخميس هجوما آخر بسيارتين في طريق السائلة في مدينة صنعاء القديمة، وأنهم دمروا سيارة فيما لاذ المهاجمون الذين كانوا على متن السيارة الثانية.

عقيل الحـلالي (صنعاء)