كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
لا جدال في أن الأنساق المغلقة غالباً ما تكون أكثر توتراً وتحسّساً من الأنساق المفتوحة، أو المنفتحة بالأصح، ذاك أن الانفتاح يسمح بتخلل الهواء بين الأجسام الفكرية المتلاصقة إلى حدّ التزاحم، وبالتالي يكون التخلخل الإيجابي المطاق والمحمود للأفكار الجامدة والمتيبسة.
من هنا تتجسد جدوى الانفتاح على الآخَر، وتمكين التبادل المعرفي بين الطرفين، ما يسمح بثنائية مسترخية ومتصالحة بين الأنا والآخر تخدم المجموع البشري.
لكن الانفتاح على الآخر ليس مطلقاً ولا نهائياً كما يظن بعض الطوباويين، بل هو انفتاح له حدود تمنع من ذوبان الأنا ذوباناً كلياً بحيث يبدو الأنا كأنه هو الآخر ذاته، وبالتالي تنتفي أصلاً الفكرة النبيلة بالانفتاح على الآخر لأنه لم يعد هناك آخر يمكن تمييزه إزاء الأنا!
الانفتاح على الآخر بالمطلق مضرّ مثل الانغلاق على الأنا، الفارق بين الحالتين أننا في الأولى سنحصل على إنسان بلا هويّة وفي الثانية سيصبح لدينا هويّة بلا إنسان.
المفارقة، حين يكون لدى البعض الاستعداد الكامل والقابلية التامة للانفتاح على الآخر الغربي أو الشرقي البعيد فيما يستنكف ويتمنّع عن الانفتاح على الآخر الوطني أو القومي القريب. يقدّم ذلك كل التنازلات والخيارات ويقضم من «أناه» فقط لأجل أن يقبل الآخر البعيد انفتاحه عليه، لكنه يكابر في تقديم أي تنازل للآخر القريب.
يبقى الإشكال الأكبر في هذه الثنائيات، عدا المرونة المبذولة من دون عدل بين الآخر البعيد والآخر القريب، هو في القدرة على ضبط الحدود بين الأنا والآخر .. ليس بسبب الفوبيا من الآخر كما هي عند البعض، بل بسبب الخوف من قيام وحدة خضوعية مشوهة بين الأنا والآخر تنقلنا من جحيم صراع الهويات إلى مأساة اضمحلال الهويات وفقدانها.
نريد الانفتاح على الآخَر .. لكن من دون الانفتاح على الآخِر.