كاتب سعودي متخصص في الشؤون الإيرانية
عندما بدأ المستعمر البريطاني في نهاية ستينيات القرن الماضي بحزم حقائبه ومغادرة منطقة الخليج العربي، ظنت إيران أن البحرين، تلك الجزيرة الصغيرة التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم، ستكون لقمة سائغة يسهل ابتلاعها، وتصبح إحدى المحافظات الإيرانية دون أي اعتراض يذكر من الدول العربية، خاصة المملكة. إلا أن موقف ملك المملكة العربية السعودية آنذاك الملك فيصل بن عبدالعزيز كان معاكسا للتوجهات الإيرانية ومفاجئا لها حيث استقبل أمير البحرين حينها الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بتاريخ 15 فبراير 1968 مما قاد شاه إيران، وتعبيرا عن امتعاضه من الموقف السعودي، إلى إلغاء زيارة كانت مجدولة بعد يومين من ذلك التاريخ إلى الرياض للقاء العاهل السعودي، وهدد الشاه بضم البحرين لإيران. حينها طلب الصحفيون من الملك فيصل التعليق على ذلك فقال: “إن موقف شاه إيران هذا جاء بسبب “غرور الشباب” وسوف يراجع موقفه”، كما أطلق مقولته الشهيرة: “إن أي اعتداء على البحرين يعد اعتداء على السعودية وسيتم الرد عليه”، وطلب الملك فيصل أن تقام أول دورة خليجية لكرة القدم في البحرين تأكيدا على عروبتها وردا على مزاعم إيران حول البحرين.
استمرت التدخلات الإيرانية في الشأن الداخلي البحريني بعد ثورة 1979 بشكل متكرر إلا أن أخطر المخططات الإيرانية الغادرة كانت في 2011، عندما دفعت طهران ببعض المغرر بهم من “أبناء البحرين” نحو تنفيذ مشروعها السياسي التوسعي الذي يستهدف أمن درة الخليج واستقرارها عبر القيام بعمليات إرهابية وحالات شغب في بعض المدن والقرى البحرينية، مما قاد دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ موقف استراتيجي مهم من خلال تدخل قوات درع الجزيرة لتأمين المواقع الحساسة والاستراتيجية في مملكة البحرين، وإفشال المخطط الإيراني مجددا.
يبدو أن إيران لم تفهم الدرس جيدا، حيث استمرت التصريحات التحريضية والداعمة للإرهاب القادمة من الضفة الشرقية للخليج العربي، ولعل آخرها تصريحات رأس الهرم السياسي والديني في إيران علي خامنئي الأسبوع الماضي التي تعد تدخلا سافرا في الشأن الداخلي للبحرين، مما قاد الخارجية البحرينية إلى استدعاء القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية في المنامة ثم استدعاء سفير البحرين في طهران للتشاور، كما أعلنت الداخلية البحرينية عن إفشال محاولات لتهريب بعض المتفجرات إلى البلاد عبر البحر وتم القبض على ثلاثة أشخاص على ارتباط بالحرس الثوري الإيراني ولا تزال تعمل على ملاحقة آخرين، وفقا لما بثه التلفزيون الرسمي البحريني. وبعد ذلك بيومين فقط، يتم الإعلان عن استشهاد جنديين بحرينيين، وإصابة ستة آخرين في إطلاق نار من قبل مسلحين بمنطقة سترة.. فمن حرك هؤلاء ومن دعمهم بالمال والسلاح والمتفجرات وأصدر الأوامر لهم؟!
إن دعم إيران للإرهاب في مملكة البحرين يتم من خلال تدريب الإرهابيين وتقديم الدعم التقني وتهريب المتفجرات والدعوة للانقلاب على الشرعية وإثارة البلبلة في الداخل، كما تعمل إيران دائما على إثارة النعرات الطائفية والصراعات المذهبية في دول المنطقة ومن بينها مملكة البحرين الشقيقة. الأخطر، في نظري، أن هذه التصريحات قد جاءت بعد أيام فقط من توقيع الاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 حول البرنامج النووي الإيراني وحديث البعض أن إيران ستراجع بعض سياساتها بعد هذا الاتفاق. ولكن مثلما تفاءل كثيرون بإيران جديدة ومختلفة بعد انتخاب الرئيس الحالي حسن روحاني ووصفه بالمعتدل وتفاجؤوا بتردي الأوضاع وارتفاع وتيرة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، يتكرر الوضع حاليا بعد الاتفاق النووي، دون أن تكترث الدول الغربية بهذه التصرفات الإيرانية التي تتجاوز كل المواثيق والأعراف الدبلوماسية وسياسات حسن الجوار، ذلك أن النظام السياسي في طهران لم يعد قادرا أو ربما لا يرغب أساسا في التحول من إيران الثورة إلى إيران الدولة، ويتخلى عن مشاريعه الرجعية والتوسعية التي لن يقبل بها العقل أو المنطق أو حتى الواقع السياسي الذي يعيشه العالم في القرن الحادي والعشرين. يظهر ذلك جليا من خلال التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الإيراني إبان زيارته للكويت مطلع الأسبوع الجاري ومحاولة التملص من الحقائق التي تثبت تورط بلاده والعزف على وتر المظلومية وأن إيران بريئة من كل هذه التهم.
لسان حال الشارع الخليجي يقول للنظام الإيراني بصوت واحد، ثابت وراسخ: البحرين خط أحمر يا إيران، تمت المحاولة سابقا وباءت بالفشل، وبإذن الله سيكون مصير أي محاولات لاحقة كسابقتها، ولكن ردود الفعل قد تتغير. وستبقى البحرين دولة عربية مستقلة وعصية على أي تدخلات خارجية غادرة تستهدف أمنها واستقرارها. كما أن مثل هذه التدخلات الإيرانية ودعهما الإرهاب ينبغي أن تكون محفزا حقيقيا لدول الخليج العربي لاتخاذ موقف موحد من هذه العربدة السياسية الإيرانية، والأهم التفكير جديا، في ظل الظروف السياسية والمهددات المختلفة التي تعصف بالمنطقة، في تسريع الانتقال من المجلس إلى الاتحاد بين هذه الدول الخليجية وتحويل ذلك إلى حقيقة ماثلة في أقرب فرصة ممكنة.
على المستوى الداخلي البحريني، تقود مثل هذه التصريحات الإيرانية الفجة إلى التفاف الشعب البحريني حول القيادة السياسية وعلى رأسها جلالة الملك حمد بن عيسى الخليفة والحكومة البحرينية أكثر من أي وقت مضى حتى تصل الرسالة إلى إيران وعناصرها في الداخل العربي، ولقد طالعتنا وسائل الإعلام البحرينية المختلفة خلال الأيام الماضية بمواقف شعبية للحمة الوطنية عبرت عنها غالبية المكونات السياسية والانتماءات الحزبية إلا فئة قليلة ظلت صامتة لن يؤثر صمتها هذا على الجو الوطني العام في البلاد، بل إن المتضرر الأول هو من شذ عن هذا التوجه الوطني والقومي، وأصبح في موقف محرج أمام الشعب البحريني الوفي والمخلص.
المصدر: الوطن أون لاين