من المؤسف، أن تتحوّل كارثة إنسانية يعاني منها الشعب السوداني الشقيق إلى «لعبة سياسية» بيد قواته المسلحة، التي تحاول تشتيت الانتباه عن جرائمه وفظائعه الموثقة.
نقول ذلك، ونحن نتابع فصول الدعوى التي تقدمت بها القوات المسلحة السودانية إلى محكمة العدل الدولية ضد الإمارات، والتي تضمنت مزاعم بعيدة كل البعد عن الواقع، ودون أيّ أساس أو مستند قانوني، فيما لم يقدم البرهان أي برهان.
ولعلّ المتابع للشأن السوداني يدرك إلى أي مدى وصلت إليه الأمور من جرائم حرب ارتكبتها قواته المسلحة، ووثّقتها العديد من السلطات الدولية، بما في ذلك تحقيقات الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، ووصلت إلى حد القتل الجماعي للمدنيين، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والهجمات العشوائية على مناطق آهلة بالسكان، فضلاً عن تدمير البنية التحتية الأساسية، وتجنيد الأطفال والزج بهم في مناطق القتال.
علاوة على ذلك، فإنّ العالم يعرف كيف تسبّبت هذه القوات في أزمة إنسانية، طالت أكثر من 30 مليون شخص، ووضعت أكثر من 600 ألف أمام ظروف المجاعة بسبب عمليات تدمير ممنهجة، وصلت إلى حد استخدام الطعام سلاحاً، وامتدت لحظر دخول المساعدات الإنسانية.
كل ذلك يضعنا أمام حقيقة واضحة، مفادها: أنّ اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ما هو إلّا محاولة لتشتيت الانتباه عن كل هذه الجرائم، وتصدير لأزمة داخلية، اتخذت الإمارات من طرفي النزاع فيها موقفاً حيادياً.
بدلاً من اتهام الإمارات، كان على القوات المسلحة السودانية أن تذهب إلى السلام، وتنفض غبار هذه الحرب، وتنظُر عميقاً في جرائمها ضد شعبها، وتتأمل مآلات الطغاة، وكيف لفظَتهم الشعوب، مهما كانت قوّتهم أو سطوتهم.
وبدلاً من الذهاب إلى لاهاي لابتزازنا، كان على تلك القوات أن تنظر في مواقفنا الإنسانية تجاه شعبها، ودعواتنا المتكررة لوقف إطلاق النار، وآخرها الهدنة الرمضانية التي دعت إليها الإمارات مؤخراً، إضافة إلى ما قدمته للسودان وأهله من مساعدات إنسانية خلال العقد الماضي تصل قيمتها إلى 3.5 مليار دولار، منها 600.4 مليون دولار في العامين الماضيين فقط.
على كل حال، فإنّنا نعرف دوافع مثل هذه الدعوى جيداً، وندرك مراميها والأيدي التي صاغتها وارتباطاتها وأيديولوجيتها، ورسالتُنا إليهم: أنّ بلادنا بعيدة عن كل هذه التّرهات، بينما قرارها السيادي لا يقبل أبداً بأي مساومة أو ابتزاز، ولن ينحاز إلى أي طرف، مهما كانت المساومة ومهما بلغ الابتزاز.
كما أننا على يقين بأن هذه «اللعبة»، بكل ما احتوته من ادعاءات، لن تنطلي على المجتمع الدولي، فضلاً عن أنها لن تخدع السودانيين، الذين طالتهم جرائم هذه القوات التي أمعنت في قطع كل أسباب الأمن والسلام عن هذا البلد.
وعلى الجميع أن يتذكر بأن التاريخ سيلعن من حوّل بلاده إلى ساحة مضطربة، وقتل أبناء شعبه، ووصل به الحد إلى أن يختصم كلّ من قدم إليهم الخير ونادى لهم بالسلام.
المصدر: الاتحاد