عاد التوتر إلى منطقة البقاع بعد معارك بين الجيش اللبناني ومسلحين سوريين في جرود عرسال ليلة أول من أمس. ووقعت بعد ظهر أمس، اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية بين حزب الله ومجموعات مسلحة قدمت من الأراضي السورية وهاجمت مواقع للحزب في منطقة حدودية في شرق لبنان. في غضون ذلك هدد أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» وجبهة النصرة، بإقفال مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي اليوم الاثنين، مطالبين الحكومة بالتحرك للإفراج عن أبنائهم.
وقال مصدر في «حزب الله» لوكالة الصحافة الفرنسية «تعرضت مواقع للحزب في جرود النبي سباط ومحيطه في سلسلة الجبال الشرقية إلى الشرق من منطقة بعلبك، لهجوم من جماعات مسلحة قدمت من منطقة القلمون السورية، فقام الحزب بالرد على مصادر النيران، وأوقع خسائر فادحة في صفوف المهاجمين».
وتفصل سلسلة الجبال الشرقية بين الأراضي اللبنانية والأراضي السورية. وذكر شهود عيان فروا من بلدة النبي سباط هربا من الاشتباكات التي سمع دوي انفجاراتها حتى مدينة بعلبك، أنهم شاهدوا «حزب الله» ينقل عددا من الجرحى في سيارات «بيك أب».
من جهتها، أشارت قناة «الميادين» الموالية لـ«حزب الله» إلى أن هدف المسلحين الذين حاولوا التسلل إلى السلسلة الشرقية هو فتح ثغرة بين جرود القلمون والزبداني في سوريا، فيما ذكرت معلومات أن نحو 10 قتلى للحزب سقطوا في الاشتباكات، مشيرة إلى أن الجيش اللبناني أعلن الاستنفار في مراكزه في المنطقة من دون أن تتدخل وحداته في الاشتباكات. وحصلت خلال الأشهر الأخيرة مواجهات عدة محدودة بين «حزب الله» الذي يقاتل في سوريا إلى جانب قوات النظام ومجموعات من المعارضة المسلحة في الجانب السوري. ويوجد الحزب في نقاط عسكرية عدة في مناطق جردية على الحدود يصعب الوصول إليها.
وشهدت منطقة البقاع معارك عنيفة بداية شهر أغسطس (آب) الماضي، في منطقة عرسال الواقعة على بعد نحو 30 كيلومترا من مناطق اشتباكات أمس، بين الجيش اللبناني ومجموعات مسلحة قدمت من سوريا ومن مخيمات للاجئين السوريين. وتسببت المعارك بمقتل 20 عسكريا و16 مدنيا وعشرات المسلحين وأسر أكثر من 30 عسكريا لبنانيا.
وكان «داعش» أعدم اثنين منهم بقطع الرأس في حين أعدمت جبهة النصرة عسكريا ثالثا بإطلاق الرصاص عليه.
وفي ظل عدم ظهور أي نتائج للمفاوضات بشأن إطلاق سراح العسكريين استمر الأهالي بقطع طريق بيروت – دمشق الدولي عند نقطة ضهر البيدر في البقاع من قبل أهالي العسكريين، وهددوا بإقفال مرافق مهمة في بيروت.
وكانت عائلة العسكري المخطوف بيار جعجع تلقت اتصالا من قبل الخاطفين مهددين بأن ابنهم سيكون بخطر ما لم تتحرك أسرته.
كذلك، ذكر تلفزيون «المستقبل» أن الجندي المخطوف حسن عمار من بلدة فنيدق في عكار شمال لبنان، اتصل بأهله للمرة الأولى منذ اعتقاله في معركة عرسال في بداية شهر أغسطس، وطمأنهم على صحته مطالبا بالمزيد من الضغط على الحكومة التي اتهمها بالتقصير، مطالبا بإقفال كل الطرقات في الشمال وبيروت وطريق المطار والمرفأ، داعيا لتكثيف التحركات للإفراج عنه وطمأن أن جميع رفاقه بخير وطالب بالضغط على الحكومة من أجل إطلاق سراحهم، حيث إن الحكومة لا تبدي أي مبادرة لإطلاق سراحهم.
وتوجه أمس رئيس بلدية برقا غسان جعجع إلى جبهة النصرة بالقول: «إذا كان هذا العيد يعني لكم يجب أن تفكوا أسر بيار جعجع ورفاقه»، متمنيا «عودة المخطوفين إلى أهاليهم».
واعتبر أن «التفاوض الذي تقوم به الدولة غير كاف»، مؤكدا أن «ما يعنينا هو أن ابننا يجب أن يعود وسنصعد هذا التحرك ليشمل أكبر طرقات ممكنة حتى يعود بيار».
وفيما ترتكز الشروط التي تطالب بها الجهات الخاطفة على مقايضة العسكريين بموقوفين إسلاميين متشددين في سجن رومية ويتولى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم برعاية قطرية، المفاوضات بشأنهم، لا يزال هناك انقسام سياسي حيال تطبيق هذا الشرط الذي يرفضه بشكل أساسي «حزب الله» والنائب ميشال عون. وفي هذا الإطار، أوضح النائب فريد الخازن في تكتل التغيير والإصلاح برئاسة عون، «أن فكرة المقايضة في مسألة تحرير العسكريين المخطوفين لا يمكن طرحها في الإعلام لأنها تنعكس سلبا على الملف»، مشددا على «ضرورة التفاوض عبر وسيط قادر وفاعل لنصل إلى النتيجة المطلوبة، بخاصة أننا أمام مأساة ويجب أن نأخذ الأمور بكل الوسائل المتاحة».
وحذر الخازن في حديث إذاعي من فكرة المقايضة «التي يمكن أن تشجع الأطراف الإرهابية على سلوك طرق لا شرعية كالخطف للوصول إلى أهدافها»، من هنا أشار إلى «ضرورة أن يكون موقف الدولة اللبنانية صارما، وأن تأخذ على عاتقها هذا الملف وتصل إلى خواتيمه السعيدة من خلال رزمة من الإجراءات من خلال تسليح الجيش بالعتاد النوعي وضبط الحدود مع سوريا، وإلا فإننا سنبقى كما نحن». وأشار إلى أن عرسال لم تعد بيئة حاضنة للإرهابيين والأمور اختلفت من عام إلى اليوم، داعيا إلى «معالجة وضع البلدة وفصلها عن الجرد».
وقال مصدر مقرب من «حزب الله» لوكالة «رويترز»، إن ما لا يقل عن 16 مسلحا من «جبهة النصرة» قتلوا في اشتباكات مع مقاتلي الحزب. وأفادت المحطة اللبنانية للإرسال بمقتل محمد خالد حمزة الملقب بأبو صهيب خلال الاشتباكات في بريتال، وهو قيادي في «جبهة النصرة»، ونقلت جثته إلى مستشفى الرحمة الميداني في عرسال.
بيروت: «الشرق الأوسط»