لا يمكن تخيل السيناريو الذي كانت ستعيشه المنطقة فيما لو لم تطلق السعودية مسارا جديدا على المستوى السياسي والعسكري، تغيرت المنطقة سياسيا منذ أن دفع الغباء السياسي والحسابات المغلوطة صدام حسين لغزو الكويت ومنذ أن انهار برجا مركز التجارة العالمي الذي كان هدفه الرئيسي إحداث شرخ ضخم في العلاقة بين الحليفين الكبيرين؛ الرياض وواشنطن.
العام ٢٠٠٣ والقوات الأمريكية تدخل إلى العراق وشاشات التلفزة العالمية تنقل صور ضرب صور صدام حسين وإسقاط تماثيله على أنها الانتصار الكبير ولحظة التحرر والخلاص، بينما كانت تدشينا لواقع جديد في المنطقة.
لا يخدم إيران في المنطقة أكثر من القاعدة وداعش لذلك جعلت من هذين التنظيمين أبرز أجهزتها للمواجهة في المنطقة استهدافا أو اتهاما، فحماية نظام الأسد تتم عبر إشغال العالم بداعش وشيطنة الإسلام السني تتم عبر تنفيذ هجمات إرهابية في عواصم أوروبية والاعتداء على دول الجوار وإثارة الفتن والاضطرابات تتم عبر عمليات إرهابية وتسليح جماعات إرهابية كما يحدث في استهداف المملكة والخليج.
وفي واحدة من أسوأ مراحل سياستها في المنطقة ركزت الولايات المتحدة على خلق أكبر قدر ممكن من الفراغات السياسية وسجلت أكبر تراجع في علاقتها مع حلفائها التقليديين، سقط العراق في أيدي الإيرانيين وباتت حكومة لبنان المركزية تقع في الضاحية وانتشرت القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله في المدن والبلدات السورية تقاتل السوريين وتفتك بهم.
الرياض صوت المنطقة في دوائر السياسة العالمية والدولة التي وجهت كل تحالفاتها من أجل دعم قضايا المنطقة بدءا من القضية الفلسطينية مرورا بكل الأحداث التي شهدتها مختلف دول المنطقة، كل ما في المملكة من قيم وتاريخ وشخصية ومرجعية إسلامية وعربية يحتم عليها القيام بهذا الدور.
لكن الواقع الجديد في المنطقة يفرض سلوكا جديدا ولغة جديدة أيضا، الحلفاء أداروا ظهورهم للمنطقة والتحديات تضاعفت وإيران أرادت إطلاق يدها في المنطقة.
السادس والعشرون من مارس العام الماضي ٢٠١٥ كان لحظة إعلان للعالم أن قوة جديدة اختارت أن تواجه الأخطار ضمن تحالفات تنبع من عناصر قوتها التي لا حصر لها، المملكة تفاجئ العالم بتحالف لدعم الشرعية في اليمن التي استولت الميليشيات الحوثية الإيرانية فيه على معظم مفاصل الدولة بدعم من الرئيس المخلوع علي صالح بكل عتاده العسكري واللوجستي.
الاستجابة الإقليمية للتحالف فكرة وهدفا أثبتت أن حالة من التعطش لدى حكومات وشعوب المنطقة للخروج من حالة الكساد السياسي والعسكري إلى حالة من الفاعلية والتأثير والمواجهة، كانت الحاجة فقط إلى قيادة قوية لها مكانتها في العالم ولها امتدادها وتأثيرها في شوارع كل العواصم العربية والإسلامية وليس أجدى من المملكة لتقوم بهذا الدور.
دوي الطائرات وقذائفها تلاحق جماعات الحوثي وصالح وتحرر عدن وتعود الحكومة وتحقق أهداف مرحلتها الأولى وتنطلق لهدف رئيسي هو تحرير اليمن بالكامل وبالمقابل صوت الدبلوماسية السعودية يصدح في كل المحافل السياسية مرحبا بكل الحلول السياسية والهدن الإنسانية.
هذا الواقع لا يمكن معه أبدا إلا المضي قدما في تعميقه وتوسيع أدواره، إننا لم نختر الحروب ولا المواجهات لكنها باتت الخيار الأخير والأسلم أيضا، وهكذا أعاد العالم العربي والإسلامي اكتشاف ذاته فأصبح أكثر إيمانا بقوته وقدرته على إدارة ملفاته وقضاياه بنفسه.
المقاتلات السعودية تصل إلى قاعدة انجيرليك التركية والعالم يتابع تصريحات المملكة عن استعدادها للتدخل في سورية لقتال داعش. هذا القرار أيضا لم يكن خيارا عابرا، إنه الحل الأخير الذي جعل ماكينة الدبلوماسية العالمية تتحرك من جديد وتحقق ما يمكن وصفه بتطور جديد في سورية وهو وقف إطلاق النار. والتدخل لتدارك الأزمة في سورية بعد كل هذه السنوات ولو كان تدخلا بسيطا وأقل من أحلام السوريين بالطبع.
في تاريخ يكاد يتزامن مع مرور عام على انطلاق عاصفة الحزم يتوافد زعماء أكثر من 20 دولة إلى قاعدة الملك سعود في حفر الباطن في المملكة، حيث تشارك قواتهم في أضخم مناورة عسكرية، تؤسس هذه المناورة لخطاب ولغة سياسية جديدة في المنطقة وفي العالم.
لم يعد الشرق الأوسط ولا المنطقة كما كانت قبل عاصفة الحزم، ولن تكون كذلك بعد رعد الشمال، ففي العالم تحالف جديد له قيادة تملك كل المقومات وله تحدياته وظروفه التي فرضت عليه ذلك التحالف.
كانت أول قذيفة في عملية عاصفة الحزم تحولا سياسيا مدويا، وآخر طلقة في مناورات رعد الشمال افتتاحا لتحولات جديدة قادمة في المنطقة بقيادة سعودية وإصغاء عالمي.
المصدر: صحيفة عكاظ