كاتب ومفكر سعودي
لا أعتبر نفسي من مبغضي القطاع الخاص، فالقطاع الخاص في أي بيئة اقتصادية سليمة هو القاطرة التي تقود التنمية. وكل من يعرف شيئاً في التاريخ الاقتصادي للدول يعلم أن البلدان التي سيطر عليها القطاع العام كانت مرتعاً للبيروقراطية والتخلف الاقتصادي بل وحتى الفساد.
لكن حكاية البنوك في المملكة حكاية عجيبة لخَّصها سمو ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز عندما قال عن البنوك: «أنا أسميها بالمنشار، داخل ياكل طالع ياكل، وهي مقلة في أشياء كثيرة وعطاؤها قليل مقابل ما تستفيد به من المواطنين والدولة».
لم يكن الأمير مقرن يتحدث من فراغ، فقد كان الحاكم الإداري لمنطقة حائل ثم لمنطقة المدينة المنورة، وعاصر التجارب التنموية في المنطقتين، بالإضافة إلى ما يعرفه من خفايا كثيرة بوصفه رجل دولة متابعاً ومسؤولاً.
فالبنوك كانت ولا تزال تحقق أرباحاً خرافية! وحتى في أتعس الأوقات عندما كان مئات الآلاف من المواطنين يحاولون التعايش ما بعد صدمة انهيار سوق المال وإفلاس الأعداد الغفيرة من المواطنين إفلاساً دفع ببعضهم إلى المصحات النفسية وجلب للمتبقين منهم الجلطات والضغط والسكري وكل الأمراض المزمنة، كانت البنوك تعيش في بحبوحة من الأرباح وسط خراب البيوت وتحطم الآمال والأحلام.
لن أذهب إلى القول إن البنوك لم تخدم الاقتصاد، ولكنني أعتبر ذلك تحصيل حاصل. بل إنها تخدم نفسها أولاً حين تخدم الاقتصاد. فبدون اقتصاد منتعش لن تجد البنوك فلكاً تسبح فيه، وستجد نفسها بلا عمل حقيقي.
أتحدث هنا عن المسؤولية الاجتماعية للبنوك التي تربح كل عام عشرات المليارات من الريالات. لا يكفي أن تسهم البنوك في حملات خيرية صغيرة هنا وهناك وهي تربح المليارات!
هذه البنوك التي تتمتع بحماية شديدة من المنافسة، وتعمل في بيئة لا تنغصها الضرائب ولا الرسوم ولا قيود العمل، نتوقع منها الكثير. لكنها ـ فيما يبدو ـ طاب لها العيش في دنياها المحصنة من المنغصات، ولهذا فهي تغط في نوم «منشاري» عميق كالذي ينام على صوت الرحى ولن يصحو إلا عندما يتوقف الرحى عن الدوران، ولن تصحو هي إلا عندما يأتي من يُغيِّر من الإيقاع «المنشاري» اللذيذ الذي تغفو على أنغامه!
أتمنى أن يكون في كلمات سمو الأمير مقرن ما يكفي من التنبية لبنوكنا التجارية لكي ترد الجميل إلى الوطن وتتحمل مسؤولياتها تجاه مجتمعها. نحن لا نريد أن تكون بنوكنا بنوكاً خاسرة، لكننا نتوقع منها أن تشرك مجتمعها في أرباحها سواء في المشروعات الاجتماعية المختلفة أو الإسهام في معالجة مشكلات المتعثرين في السداد أو في مجالات الإقراض او غير ذلك من المجالات.
المصدر: الجزيرة السعودية