صحفي وكاتب سعودي
السياسة القوية٬ الناجعة٬ تستمد ذلك من سلامة المبدأ الذي تنهض عليه٬ والعكس صحيح.
الباقي٬ مثل التكتيك٬ والإعلام٬ والجاذبية الشخصية «الكاريزما» كلها مكملات ومتمات لنجاعة وفعالية السياسة٬ لكنها ليس هي «روح» السياسة التي تمنحها الحياة والبقاء والاستمرار.
من هذا الباب الكبير نفهم لماذا نجح التأسيس السعودي٬ وعبر تحديات الداخل والخارج٬ على يد المؤسس عبد العزيز٬ ورفاقه ورجاله من الآباء المؤسسين٬ للصرح السعودي الكبير٬ رغم العواصف والأنواء التي عصفت بالمنطقة منذ قرن وأزيد.
من جواهر السياسة السعودية٬ الالتزام بالعهد٬ والانطلاق من حسن النية حتى يثبت العكس٬ وتحريم سياسة الاغتيالات الفردية٬ التي احترفها عدد من حكام العرب٬ أهل الجمهوريات!
لنطالع هذا الموقف:
صباح العاشر من شهر ذي الحجة 1353 هـ٬ اعتدى على الملك عبد العزيز وهو يطوف بالكعبة ثلاثة أشخاص من اليمن٬ حاولوا قتله٬ لكنهم لم يفلحوا٬ وقتل بعضهم في الحال٬ وتلقى نجل الملك عبد العزيز٬ ولي العهد الملك سعود الطعنات عن والده٬ وحمى الحرس عبد العزيز ببسالة٬ خاصة الأول منهم٬ عبد الله البرقاوي.
لاحقا بالتحقيقات ثبت أن هؤلاء القتلة فعلوا فعلتهم بعلم الإمام يحيى٬ إمام اليمن٬ وتخطيط ولي عهده الإمام أحمد٬ أحد هؤلاء القتلة٬ واسمه (علي حزام الحاضري) كان برتبة نقيب بجيش الإمام.
كان في الرياض عدد من اليمنيين٬ الذين سكنوا العاصمة بغرض التعليم الديني٬ على طريقة المشايخ بحي «دخنة» الشهير في الرياض٬ غضبوا لهذه الجريمة.
يروي المؤرخ السعودي فهد المارك هذه القصة٬ فيقول: «كان يرأس هؤلاء المهاجرين شخص يدعى يحيى حزام٬ ويحيى هذا حافظ للقرآن عن ظهر قلب٬ ومن أورع وأتقى من عرفت من رفاقه اليمانيين٬ وقد كان بيني وبين يحيى صداقة أصبحت مع مرور الأيام راسخة الجذور٬ ويؤكد يحيى الذي لا يعتريني أدنى شك في صحة روايته فيقول: بعد أن اعتدى الغادرون اليمانيون على الملك عبد العزيز٬ جئت إلى عبد العزيز وأسررت له بأنه يوجد لدي شبان من اليمن٬ لديهم الاستعداد بأن يقوموا بمغامرة يقتلون بها ولي العهد أحمد٬ سيف الإسلام٬ وفاقا لما دبره من الغدر».
يكمل المارق الحكاية نقلا عن اليمني يحيى حزام: «كان جواب الملك عبد العزيز هو الآتي: إذا عاملنا أحد بالغدر٬ ونكث العهد٬ عاملنا نحن بالوفاء بالعهد والعفو٬ أما الغدر فعاقبته وخيمة٬ على أهله٬ طال الزمن أو قصر». (من شيم الملك عبد العزيز ج2 ص2425.)
الأخلاق لا تعني الضعف في السياسة٬ بل الثقة.. والقوة
المصدر: الشرق الأوسط