كاتب سعودي
يُقدّر مع انتهاء هذا الفصل الدراسي ودخول فصل الصيف، أنْ يتقدّم أكثر من 300 ألف طالب عمل جديد من خريجي الجامعات والمعاهد وجزء من خريجي المرحلة الثانوية. سيضاف هذا العدد من طالبي العمل إلى رصيد طالبي العمل “العاطلين” البالغ بنهاية 2013 أكثر من 622.5 ألف عاطل وعاطلة وفقاً لبيانات مصلحة الإحصاءات العامّة والمعلومات، الذي بدوره يعني بلوغ معدل البطالة بين المواطنين نحو 19.2 في المائة في نهاية 2013.
وبإضافة هذه الدفعة الجديدة من طالبي العمل إلى الرصيد السابق من العاطلين، بعد خصم من تم توظيفهم في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، الذي لم يصدر حتى تاريخه أي بيانات حول أعدادهم، ويمكن تقديرهم بموجب معدلات التوظيف التي تمّت خلال العام الماضي بمعدلٍ شهري بلغ 39.2 ألف عامل مواطن، ليصبح تقديرياً إجمالي من تمّ توظيفهم خلال ما مضى من عام 2014 (خمسة أشهر) نحو 195.8 ألف عامل، ومن ثم يمكن تقدير صافي طالبي العمل في الوقت الراهن مع مطلع هذا الصيف بأكثر من 727.1 ألف طالب عمل (عاطل)، وكما يبدو أنّ سوق العمل المحلية ستواجه ارتفاعاً طفيفاً في معدّل البطالة، الذي يعد في الأصل مرتفعاً جعل المملكة تحتل المرتبة العاشرة عالمياً من حيث أعلى معدلات البطالة عالمياً.
تبيّن إحصاءات العام الماضي ارتفاع توظيف المواطنين والمواطنات في سوق العمل المحلية بنحو 470 ألف عامل “137.8 ألف في القطاع الحكومي، و332.2 ألف في القطاع الخاص”، ارتفع بموجبه عدد العاملين والعاملات من المواطنين إلى أكثر من 2.6 مليون عامل، مقابل عمالة وافدة بلغ عددها 8.3 مليون عامل وافد بنهاية 2013، التي ارتفع عددها خلال العام الماضي 857.4 ألف وافد!
كما يبدو أن تحدّيات سوق العمل تتفاقم عاماً بعد عام، ومن المؤسف أنّ البعض ما زال يردد عبارة “لا وجود للبطالة لدينا”، قياساً على تزايد الاستقدام وتوظيف العمالة الوافدة! وركوناً إلى أنّ السوق التي استطاعت استيعاب نحو 8.3 مليون عامل وافد، كيف أنّها عجزتْ عن استيعاب أقل من عُشر هذا الرقم! وهو منطق فيه من الاعوجاج ما فيه، ويعكس في الحقيقة عدم فهْم من يردد هذه العبارة لأوضاع سوق العمل المحلية تحديداً، والاقتصاد الوطني بصفةٍ عامّة.
تمّ الحديث في أكثر من مقامٍ ومقال، أنّ السوق المحلية تعجّ بالكثير من التشوهات الهيكلية، التي استمدت وجودها من التشوهات الكامنة في الاقتصاد الوطني، وأنّ جزءاً كبيراً من فرص العمل المتاحة أوجدتها تلك التشوهات، في مقدمتها تلك التي توجد في نشاطي التشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة، حيث استحوذت على نحو 61 في المائة من إجمالي زيادة العمالة الوطنية في القطاع الخاص خلال 2013 “201.5 ألف عامل وعاملة من المواطنين”، وقع أغلبها ضمن دائرة التوظيف الوهمي خاصة ما يتعلق بتوظيف الإناث. هذا عدا أنّ متطلبات التوظيف لأغلبية تلك الوظائف لا يتجاوز مؤهله الشهادة الابتدائية، مقابل مخرجات تعليم يتمتع ثمانية أعشارها بالمؤهل الجامعي!
وقعتْ الحلول المقدّمة لمعالجة تحديات سوق العمل المحلية في فخِّ الإنجاز “الكمي”، دون أنْ تدرك واقع التشوهات الجاثمة في أعماق السوق! وأنّ أغلبية الوظائف “الجديدة” التي تشكّلتْ خلال الأعوام الأخيرة تركّزت في نشاطي التشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة، نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات البنى التحتية “بلغتْ قيمة المشروعات الجديدة المعتمدة لآخر خمسة أعوام نحو 1.3 تريليون ريال”، ونتيجة زيادة واردات القطاع الخاص والبيع بالتجزئة “بلغتْ فاتورة الواردات السلعية 630.7 مليار ريال بنهاية 2013”. هذه الوظائف بما تتطلبه من مستويات متدنية تعليماً، وبما تدفعه من أجورٍ متدنية لن تكون أبداً غاية طموح باحثين عن عمل يحملون شهاداتٍ تعليمية عليا! حتى من يظن جدلاً أنّها محطّة عبور مؤقتة للمواطنين، يمكن بعدها بعام أو عامين أن يتحصّلوا على الوظائف التي تناسب مؤهلاتهم، فلا أقل من القول بعدم إدراك أو فهم من يقول بهذا القول أبسط أبجديات الاقتصاد، ويكفي القول إنّه بعد عام أو عامين سيكون الاقتصاد في مواجهة أعدادٍ أكبر من طالبي العمل بالمؤهلات نفسها، عدا أنّ مثل هذه الآراء لا تتعدّى كونها التفاف واهم، وتأخيرٍ مكلّف لعدم مواجهة صلب التشوهات الكامنة في السوق تحديداً، وعلى مستوى الاقتصاد الوطني عموماً.
سيأتي اليوم الذي سنواجه فيه أكثر من مجموع العاطلين برصيده في الوقت الراهن، ممثلاً في مخرجات التعليم وأغلبهم من حملة الشهادة الجامعية، ولن يكون أبعد من خمس سنواتٍ قادمة! هل سينجح معهم التوظيف “الكمّي” دون النظر لعمق التشوهات الراهنة في السوق؟ أو هل سينجح معهم التوظيف الوهمي؟ إنّ أقوى مؤشرٍ على إفلاس أغلبية برامج التوطين الراهنة، هو ما نشهده في الوقت الراهن من دفع باهظ الثمن “لمكافآت” البقاء في الوظائف! التي لو كانتْ مقنعة على أقل تقدير لمن يشغلها من المواطنين والمواطنات، لما لجأتْ وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية لابتكارها! ومن أين تأتي القناعة أو الرضا الوظيفي بأي وظيفيةٍ كانت، إنْ لم يكن المصدر الأوّل لها هو نوع الوظيفة ومستوى دخلها الشهري؟ إلا أن تلجأ الجهات الإشرافية إلى مثل تلك المكافآت الأشبه بالمسكّنات من أوجاع البطالة!
نذكّر تكراراً ومراراً؛ أنّ حاجة الاقتصاد الوطني إلى تنويع ركائز إنتاجيته تتنامى عاماً بعد عام، وأنّ تلبية تلك الحاجة الماسّة لن تأتي إلا بضخّ أموال الاستثمارات في قنواتها المحلية، لتتشكّل لدينا مشروعات إنتاجية متنوعة، تنتج عنها فرص عمل مستدامة لا موسمية أو مرحلية ترتبط بمستويات الإنفاق الحكومي المرتفع نتيجة ارتفاع أسعار النفط، تتمتع فرص العمل تلك بمستويات أجور جاذبة، وتتطلب مؤهلاتٍ علمية تناسب مخرجات التعليم لدينا. عدا ذلك؛ أؤكّدها قلقاً وخوفاً مما سيأتي من تحدياتٍ أكبر وأخطر مما نشهده اليوم، إنّ جميع ما عبر بنا طوال السنوات الثلاث الماضية “كمّياً”، لن يستطيع على الإطلاق المضي قدماً أكثر مما حققه! علماً بأنّ ما يجري الآن “ترميمه” من خلال مكافآتٍ مسكنّة لمن يبقى في عمله عاماً أو عامين، لن يطول وقت زوال مفعوله المؤقت! حينها ستجتمع ـــ لا قدّر الله ـــ تحدياتٌ لا قبل لأي اقتصادٍ على وجه الأرض بها مهما بلغت إمكاناته المادية. اللهم إنّي بلّغتْ اللهم فاشهد، والله ولي التوفيق.
المصدر: الإقتصادية