هناك مشهد شهير في فيلم (Sleeper) للمخرج وودي آلان، يتناقش فيه عالمان من عام 2173 حول النصائح الغذائية للقرن العشرين، حيث يتساءل أحدهما بارتياب: «هل تعني أنه لا توجد دهون، ولا شرائح لحم، أو فطائر الكريمة، أو الحلوى الساخنة؟». ويرد الآخر: «كنا نظن أن تلك المأكولات غير صحية». «تماما على العكس مما نعلمه الآن».
لم نصل إلى زمان وودي بعد، ولكن شرائح اللحم وفطائر الكريمة تبدو وكأنها أقل في أضرارها الصحية عما كنا نعتقد قبلا. وبعد 35 عاما من اعتبارها من العقائد الغذائية، يبدو أن فكرة أن الدهون المشبعة ضارة بالصحة وبالقلب سوف تذهب أدراج الرياح مثل قطعة من الزبد على صحن ساخن! لذلك، فهل من المفيد تناول المزيد من اللحوم الحمراء والجبن؟ هل ستتغير النصائح المتعلقة بتقليل المحتوى من الدهون المشبعة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف كنا نتتبع النصائح المغلوطة طوال هذه الفترة؟
إن الإجابة عن تلك التساؤلات هي من الأهمية بمكان. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن أمراض القلب والأوعية الدموية هي السبب الأول للوفاة على مستوى العالم، وتحصد أرواح أكثر من 17 مليون شخص في كل عام، مما يمثل ثلث عدد الوفيات العالمية. وتتوقع المنظمة أنه بحلول عام 2030، سوف يسقط 23 مليون مريض ضحية لذلك المرض في كل عام. وفي الولايات المتحدة، يقدر عدد مرضى القلب من الأحياء بنحو 81 مليون نسمة.
* الدهون المشبعة والفكرة أن استهلاك الدهون المشبعة – الموجودة بمستويات مرتفعة في المنتجات الحيوانية مثل اللحوم ومنتجات الألبان – يرفع بصورة مباشرة من خطر الإصابة بالأزمات القلبية ظلت الفكرة الداعمة لعلوم التغذية منذ حقبة السبعينيات. وبدلا من تناولها، جرى التشجيع على استهلاك الدهون «الصحية» الموجودة في زيوت الخضراوات، والأطعمة مثل الأسماك والمكسرات والحبوب.
ويقول الدليل الرسمي الأميركي للبالغين إن نسبة 30 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية يجب أن يكون مصدرها الدهون المشبعة. والنصائح البريطانية لا تبتعد عن ذلك كثيرا. وهو هدف بعيد المنال بكافة الوسائل، إذ يستطيع الرجل العادي تناول بيتزا البيبروني بقطر 30 سنتمترا ولا تزال لديه مساحة لتناول الآيس كريم قبل أن يجتاز الحد المسموح. ومع ذلك، يتناول البالغون في الولايات المتحدة وبريطانيا الكثير من الدهون المشبعة أكثر من المحتوى الموصي به.
لقد تعودنا على تناول المزيد من الطعام، ففي الفترة بين عقد الخمسينيات وأواخر السبعينيات من القرن الماضي، شكلت الدهون أكثر من نسبة 40 في المائة من السعرات الحرارية الغذائية في بريطانيا. وكانت القصة مشابهة لذلك في الولايات المتحدة. ولكن مع بدء انتشار التحذيرات، انقطع الناس عن تناول أطعمة مثل الزبد واللحم البقري. وقد استجابت الصناعات الغذائية، حيث امتلأت الرفوف بالكعك والفطائر والكريمات قليلة الدهون.
وسرعان ما انتشرت الرسالة حتى ولو بصورة جزئية. وانخفضت معدلات الوفاة جراء أمراض القلب في الدول الغربية. وفي عام 1961 في بريطانيا كانت نصف الوفيات جراء أمراض الشرايين التاجية، أما في عام 2009 فقد انخفض ذلك المعدل إلى الثلث. لكن العلاج الطبي وإجراءات الوقاية كانت قد تطورت هي الأخرى بصورة مشهودة حتى بات من المحال معرفة أي دور، إن كان هناك دور، قد لعبته التغييرات في النظام الغذائي.
وعلى الرغم من انخفاض الاستهلاك من الدهون المشبعة، فإن البدانة والأمراض المصاحبة لها ظلت بلا تغيير.
* الجسم والدهون وللوقوف على الكيفية التي تؤثر بها الدهون المشبعة في الأغذية على الصحة ينبغي علينا تفهم الكيفية التي يتعامل الجسم بها مع تلك الدهون، وكيف تختلف الدهون المشبعة عن غيرها من الدهون.
عندما تأكل الدهون، فإنها تنتقل إلى الأمعاء الدقيقة حيث تتحلل إلى أجزائها التكوينية – الأحماض الدهنية والغليسيرول – ويتم امتصاصها في الخلايا المبطنة للقناة الهضمية، حيث يجري تجميعها هناك مرة ثانية مع الكولسترول والبروتينات وتدفع في مجرى الدم. تلك الحزم الدقيقة كروية الشكل تسمى البروتينات الدهنية، وهي التي تسمح للدهون غير القابلة للذوبان في الماء والكولسترول (ويعرفان سويا باسم الدهنيات) بالذهاب إلى حيث يحتاجها الجسم.
وكلما ازداد تناول الدهون، ارتفعت نسبة البروتينات الدهنية في الجسم. وهناك، وطبقا للحكمة التقليدية، حيث تبدأ المشكلات الصحية.
* الكولسترول الحميد والضار تأتي البروتينات الدهنية في نوعين رئيسين، ذات الكثافة العالية وذات الكثافة المنخفضة. وتعرف البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة LDL باسم «الكولسترول الضار» على الرغم من الحقيقة القائلة بأنها تحتوي على مواد أكثر من الكولسترول ذاته. ويكمن السوء من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة في أنه يمكنها الالتصاق بالجدران الداخلية للشرايين، ما يؤدي إلى تكون ترسيبات تسمى البلاك (الترسبات) التي تعمل على تضييق وتصليب الأوعية، مما يرفع من خطر انسداد الشرايين إذا ما تكونت جلطة دموية. ومن بين كافة أنواع الدهون الموجودة في الأغذية، تأتي الدهون المشبعة كأكثر العوامل التي تزيد من مستويات الكولسترول الضار في الجسم. إن استهلاك الكولسترول ذو تأثير طفيف مثير للدهشة: ويكمن السبب وراء مسماه الضار أنه يوجد في أغذية الحيوانات ويميل أيضا إلى الوجود بكثرة في الدهون المشبعة.
أما البروتينات الدهنية عالية الكثافة HDL، أو الكولسترول الجيد، على الجانب الآخر، فيساعد في الحماية دون تكون الترسبات على جدران الشرايين. وتقول الحكمة التقليدية إن نسبة البروتينات الدهنية عالية الكثافة تزداد من تناول الأطعمة الغنية بالدهون غير المشبعة أو الألياف القابلة للذوبان في الماء مثل الحبوب الكاملة والفاكهة والخضراوات. وبالتالي، وباختصار، تلك هي الفرضية وراء الدهنيات، وهي الفكرة الأكثر تأثيرا في تاريخ التغذية البشرية.
وتعود أصول تلك الفرضية إلى عقد الأربعينات عندما أدى ارتفاع موجة الإصابة بأمراض القلب بين رجال الطبقة المتوسطة إلى دق ناقوس الخطر في الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت كان الأمر يفسر بأنه من عوامل التقدم في السن. ولكن أنسيل كيز، وهو عالم في وظائف الأعضاء، في جامعة مينيسوتا، كانت له أفكار أخرى. لاحظ كيز أن الأزمات القلبية كانت نادرة في بعض بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط وفي اليابان، حيث يأكل الناس أطعمة منخفضة المحتوى الدهني. ومن ثم أطلق دراسة الدول السبعة الرائدة في عام 1958. جرى اختيار عدد 12.763 رجلا من الفئة العمرية (40 إلى 59) من الولايات المتحدة وفنلندا وهولندا وإيطاليا ويوغوسلافيا واليونان واليابان. وجرت مراجعة النظام الغذائي وحالة القلب لديهم جميعا على مدى خمس سنوات، وعشر سنوات بعد الاختيار.
وخلص كيز إلى وجود علاقة تربط بين الدهون المشبعة في الغذاء، وارتفاع مستويات الدهون في الدم وخطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات القلبية. مما شكل بداية نشوء فرضية الدهنيات.
ودعمت النتائج بأبحاث أخرى، لا سيما دراسة فرامينغهام للقلب، التي تتبعت النظام الغذائي وصحة القلب في مدينة في ولاية ماساشوستس الأميركية. وفي ضوء ذلك البحث وارتفاع الأرقام المصاحبة – بحلول عقد الثمانينات كانت النوبات القلبية تحصد أرواح ما يقرب من مليون مواطن أميركي سنويا – حتى قررت السلطات الصحية التحرك لدفع التقليل في تناول الدهنيات بالأغذية، والدهون المشبعة على وجه التحديد. وظهرت الإرشادات الرسمية لأول مرة في عام 1980 في الولايات المتحدة وتبعتها بريطانيا في عام 1991، وظلت صامدة حتى يومنا هذا.
* شكوك علمية ومع ذلك تعالت أصوات المشككين لفترة من الوقت. وفي عام 2010، خرج العلماء بنتائج 21 دراسة كانت تعمل على 348.000 شخص لسنوات كثيرة. وخرجت نتائج هذا التحليل المعلوماتي لتؤكد «عدم وجود دليل ذي أهمية» يدعم فكرة أن الدهون المشبعة تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب (الجمعية الأميركية للتغذية الإكلينيكية، العدد 91، الصفحة 535).
وتلقى المشككون دفعة جديدة من تحليل معلوماتي آخر نشر في شهر مارس (آذار) (حوليات الطب الباطني، العدد 160، الصفحة 398). مما أعاد النظر في نتائج الدراسات الـ72 التي شملت 640.000 شخص في 18 دولة.
ومما أثار استغراب الكثيرين، أنه لا يوجد ما يدعم النصائح الغذائية الحالية، إذ «لا تدعم الأدلة الحالية بوضوح الإرشادات التي تشجع على الاستهلاك المرتفع من الأحماض الدهنية غير المشبعة والاستهلاك المنخفض من الدهون المشبعة»، على نحو ما ذكرت الدراسة. «ربما تحتاج الإرشادات الغذائية إلى إعادة تقييم».
في جوهرها، كما تقول مجلة «نيوساينتست»، وجدت الدراسة إن الناس في أقصى طرفي الطيف – بمعنى، أولئك الذين يتناولون أقصى، وأدنى، محتوى ممكن من الدهون – لديهم نفس الفرصة من الإصابة بأمراض القلب. يبدو أن الاستهلاك المرتفع من الدهون غير المشبعة لا يوفر أي حماية.
وقد تعرض التحليل لانتقادات شديدة لاحتوائه على أخطاء منهجية وتجاهل الدراسات التي كان ينبغي تضمينها. لكن المؤلفين يؤكدون على استنتاجاتهم العامة ويقولون إن الورقة البحثية المقدمة نالت التأثير المقصود منها في كسر الحظر المضروب حول الدهون المشبعة.
* ضوء أخضر بعيدا عن المنهج الأكاديمي، استقبلت النتائج بترحيب شديد. وقد فسرها الكثير من المعلقين بوصفها ضوءا أخضر لمواصلة تناول الدهون المشبعة. ولكن هل تشير النتائج إلى ذلك فعلا؟ هل أخطأ كيز في تقدير الأمور؟ أو ربما توجد هناك بعض التفسيرات الأخرى لحالة الصراع بين عمله والكثير من الدراسات الداعمة له، وآخر التحاليل المعلوماتية الصادرة؟
حتى مع توجه أبحاث كيز إلى التأثير على النصائح الصحية، أشار النقاد إلى وجود مواطن من الخلل فيها. وإحدى الشكاوى الشائعة كانت حول البيانات المختارة بعناية لدعم فرضيته، وتجاهل بلدان مثل فرنسا التي تتمتع بمستويات مرتفعة من تناول الدهون في أنظمتها الغذائية مع نسب منخفضة من الإصابة بأمراض القلب. والدليل القوي الداعم لنظام الغذاء منخفض الدهون يأتي من جزيرة كريت، ولكنها توضح أن كيز سجل بعض بيانات حول تناول الأطعمة هناك أثناء فترة الصوم الكبير، وهي فترة يبتعد فيها اليونانيون تقليديا عن تناول اللحوم والجبنة، لذلك من المرجح أن يكون كيز قد أخطأ في تقدير متناولهم من الدهون اليومية.
كما نال بحث فرامينغهام كذلك، بعض الانتقادات، إذ يقول النقاد أن البحث اتبع مجموعة غير ممثلة من الرجال والنساء البيض الذين كانوا معرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب لأسباب لا تتعلق بالنظم الغذائية مثل التدخين.
وأخيرا، بات من الواضح كذلك أن تأثير لدهون المشبعة أكثر تعقيدا مما كان مفهوما عنها من قبل.
أجرى رونالد كراوس من جامعة كاليفورنيا أبحاثا ممتدة حول الرابطة بين البروتينات الدهنية وأمراض القلب. وشارك في التحليل المعلوماتي لعام 2010 وهو مقتنع بأن هناك مساحة لإعادة التفكير الجزئي حول فرضية الدهنيات.
وهو يشير إلى دراسات تفترض أن البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة ليست جميعها سيئة. ومن المقبول به على نطاق واسع حاليا أن البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة تأتي في نوعين – نوع ذي جزيئات كبيرة وزغبية، ونوع جزيئاته صغيرة ومحكمة. وهي الأخيرة التي ترتبط بقوة، كما يقول كراوس، بخطر الإصابة بأمراض القلب، بينما الجزئيات الزغبية تبدو ذات مخاطر طفيفة. وبشكل حاسم، يقول كراوس، إن تناول الدهون المشبعة يعزز من وجود البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة الزغبية. والأكثر من ذلك، هناك بعض الأبحاث تفترض أن البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة الصغيرة تتعزز عند اتباع النظام الغذائي ذي الدهون المنخفضة والكربوهيدرات المرتفعة، وخصوصا ذلك النظام الغذائي الغني بالسكريات.
* خطر الكولسترول الضار لماذا تبدو جزيئات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة الصغيرة أكثر خطرا؟ في رحلتها حول مجرى الدم، تلتصق جزيئات البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة بالخلايا وتخرج من مجرى الدم. يقول كراوس إن البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة الصغيرة لا تلتصق بسهولة، وبطول مدة بقائها هناك، تعظم فرصة وقوع الضرر. ويسهل كذلك تحولها إلى الحالة الأوكسيدية التي تعد أكثر خطرا.
وأخيرا، هناك ببساطة المزيد منها لذات المستوى العام من الكولسترول. ويتساوى المزيد من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة مع ارتفاع خطر الإصابة بتلف الشرايين، على حد وصف كراوس. وهو يعتقد أن الأدلة على ذلك قوية بما فيه الكفاية لتغيير النصائح الصحية.
بالتأكيد، لا يمكن فصل النقاش عن قضية المحتوى العام المطلوب للسعرات الحرارية، والذي ارتفع خلال العقود الثلاثة الماضية من عقد السبعينات في الولايات المتحدة وغيرها من الدول. وكانت النتيجة ارتفاع أعداد الناس من ذوي السمنة. وكونك سمينا أو بدينا يزيد من خطر الأمراض القلبية.
وهناك عامل رئيس آخر يدور حول ما ينبغي على الناس تناوله بدلا من الدهون المشبعة. يقول والتر ويليت من كلية هارفارد للصحة العامة «إن تأثير تقليل الدهون المشبعة يعتمد على ما يحل محلها. إننا نستبدل الانخفاض الكبير في السعرات الحرارية بشيء آخر سواء قصدنا ذلك أم لا».
والمشكلة، كما يطرحها البعض، تكمن في أن البديل من المعتاد أن يكون الكربوهيدرات المكررة، وعلى الأخص السكريات، المضافة إلى الأطعمة لكي تحل محل الدهون. وأظهرت مراجعة جرت في عام 2009 أنه إذا ارتفعت الكربوهيدرات في حين انخفضت الدهون المشبعة، فالنتيجة هي ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب. ويضيف ذلك إلى الفكرة الناشئة بأن السكر هو العدو الحقيقي.
ثم هنالك الدهون الصناعية غير المشبعة المسماة الدهون المتحولة التي يصنعها الكيميائيون لاستبدال الدهون الحيوانية، ويتم تصنيعها بالتعديل الكيميائي للزيوت النباتية لجعلها صلبة. ونظرا لأنها دهون غير مشبعة، وبالتالي فهي «صحية»، قامت الصناعات الغذائية بدفعها داخل المنتجات من الكعك والكريمة. ولكن ظهر لاحقا أن الدهون الصناعية غير المشبعة تسبب أمراض القلب. وأخبرنا الجميع، أنه من الممكن أن تظهر التحاليل المعلوماتية ببساطة أن منافع الابتعاد عن الدهون المشبعة قد جرى إلغاؤه عن طريق الاستبدال بالسكريات والدهون الصناعية غير المشبعة.
في ذات الأثناء، يستمر العلم في الكشف عن بعض التعقيدات الخاصة بالتمثيل الغذائي للدهون والتي قد تساعد كذلك في دعم النتائج المربكة. إحدى الوسائل الواعدة تفيد بأنه ليست كل أنواع الدهون المشبعة تحمل نفس الخصائص. فقد كشف التحليل المعلوماتي لعام 2014، على سبيل المثال، عن مؤشرات أن مختلف الأحماض الدهنية المشبعة في الدم ترتبط بمختلف مخاطر الأمراض التاجية. وتبدو بعض الدهون المشبعة مخفضة لتلك المخاطر، وبعض الدهون غير المشبعة تزيد منها.
* اللحوم والألبان على الرغم من الحاجة الماسة إلى المزيد من الدراسات الكبرى لتأكيد تلك النتائج، فإن المؤلف البارز راجيف تشودري، وهو عالم في الأوبئة في جامعة كمبردج، يقول إنها وسيلة قد تستحق الدراسة.
هناك أدلة أخرى تفيد بأنه ليست كل الدهون المشبعة تحمل ذات الخصائص. فهناك دراسة منذ عام 2012 كشفت أنه بينما يؤدي تناول الكثير من الدهون المشبعة من اللحوم إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، فإن الكمية المعادلة من منتجات الألبان تقلل من ذلك الخطر فعليا. وحسب الباحثون فإن تقليل السعرات الحرارية من الدهون المشبعة في اللحوم بواقع 2 في المائة فقط واستبدالها بالدهون المشبعة في منتجات الألبان يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية بواقع 25 في المائة.
يستشهد كراوس كذلك بدراسات تظهر أن تناول الجبنة لا يزيد من خطر الكولسترول الضار بقدر ما يزيده تناول الزبدة، حتى مع تساوي نسب الدهون المشبعة في كليهما. لذا، هل يمكن للنصائح المستقبلية أن تفيد بأن الدهون المشبعة من مصادر الألبان هي أقل خطرا من مصادرها من اللحوم، على سبيل المثال؟ أو تحثنا على تفضيل الجبنة بدلا من الزبدة؟ من المبكر جدا التأكيد على ذلك. تدرك جيب أن الفكرة وراء أن بعض أحماض الدهون المشبعة قد تكون أسوأ من غيرها هي فكرة تتلقى المزيد من التأييد، ولكنها تقول إنها فكرة تبتعد كثيرا عن اتخاذها وسيلة لتوجيه العادات الغذائية.
وعلى الرغم من ذلك، هناك شعور متنام بأننا في حاجة إلى إعادة تقدير طريقة تفكيرنا حول الدهون. يقترح كراوس إعادة التفكير في الإرشادات حول الدهون المشبعة حينما تتم صياغة الإرشادات الصحية الجديدة للأميركيين في العام المقبل. إنه يعتقد بكل تأكيد أنه يجب التخفيف من أكثر الحدود صرامة إزاء الدهون المشبعة الموصى بها من قبل الجمعية الأميركية للقلب – والتي لا تشكل أكثر من نسبة 7 في المائة من المحتوى اليومي المطلوب للسعرات الحرارية. والآخرون، على الرغم من ذلك، يرفعون لافتة التحذير. تقول نسله إن الإجابة تعتمد على السياق، حيث أضافت «إذا جرى موازنة السعرات الحرارية مع الأنظمة الغذائية التي تحتوي على الكثير من الخضراوات، فإن الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة لن تعد مشكلة. ولكن الكثير من الناس لا يقومون بذلك فعليا».
* الدليل المبسط للدهون المشبعة
* ما هي الدهون؟ الدهون عبارة عن جزيئات حيوية معقدة تلعب أدوارا كثيرة في الجسم، بما في ذلك تخزين الطاقة والعمل كمكونات لأغشية الخلايا. يتكون جزئ الدهن من ثلاثة أحماض دهنية ملحقة بجزيء الغليسيرول. وتعرف هذه الوحدة باسم الدهون الثلاثية. هناك العشرات من الأنواع المختلفة من الأحماض الدهنية، لكل منها خصائصه المختلفة، بما في ذلك كونها مشبعة أو غير مشبعة.
(غليسيرول)+ (3 الأحماض الدهنية)=(الدهون الثلاثية)
* ما المقصود بلفظة (مشبعة / غير مشبعة)؟ إن الجزء الأكبر من الأحماض الدهنية عبارة عن سلسلة طويلة من ذرات الكربون مع ذرات الهيدروجين الملحقة بها. وفي الأحماض الدهنية المشبعة، لا يوجد في هذه السلسة روابط الكربون – الكربون المزدوجة، مما يعني أنها تحمل العدد الأقصى الممكن من ذرات الهيدروجين: أي إنها (مشبعة). أما الأحماض الدهنية غير المشبعة فيوجد بها رابطة مزدوجة واحدة على الأقل.
تسمى الدهون الثلاثية التي تحتوي على الأحماض الدهنية المشبعة فقط باسم الدهون المشبعة كذلك، أما تلك التي لديها أحماض ذات رابطة مزدوجة واحدة أو أكثر فتسمى الدهون غير المشبعة. وكقاعدة، كلما كانت الدهون غير مشبعة، كان الأمر أفضل بالنسبة لك – على الرغم من أن تلك الفرضية العتيقة قد نالها بعض التحدي مؤخرا.
* ماذا عن الدهون الحيوانية والدهون النباتية؟ تميل الدهون الحيوانية لأن تكون مشبعة بينما تعد الدهون النباتية بوجه عام غير مشبعة. غير أن ذلك دليل عام، حيث تحتوي اللحوم والبيض ومنتجات الألبان على الدهون غير المشبعة، بينما تحتوي الخضراوات كذلك على الدهون المشبعة. وبعض الدهون النباتية – وأبرزها زيت النخيل وزيت جوز الهند وزبدة الكاكاو – تحتوي على نسب مرتفعة من الدهون المشبعة أكثر من شحوم الأبقار. واختصارا، تحتوي الحيوانات والنباتات جميعها على الدهون المشبعة وغير المشبعة.
* هل يعد الكولسترول من الدهون؟ بالمعنى الدقيق للكلمة، لا. ولكنه رابطة حيوية فيما بين الدهون الغذائية وأمراض القلب، فعلى العكس من الدهون المشبعة، يوجد الكولسترول تقريبا وبصورة حصرية في المنتجات الحيوانية: مثل اللحوم والأسماك والمأكولات البحرية والألبان والبيض. إن خفض الكولسترول في نظامك الغذائي لن يكون له تأثير مباشر على مستويات الكولسترول في الدم ولكنه يساعد بصورة غير مباشرة نظرا لأن تقليل تناول الأطعمة الغنية بالكولسترول من شأنه أن يقلل المحتوى المطلوب من الدهون المشبعة.
* هل لبعض الدهون تأثير التسمين من غيرها؟ الإجابة.. لا. حيث يحتوي غرام من الدهون غير المشبعة على نفس مقدار الطاقة الذي يحتويه غرام الدهون المشبعة (ما يساوي نحو 9 سعرات حرارية، مقارنة بنحو 4 سعرات حرارية في غرام واحد من السكر). ولذلك، ومن زاوية السعرات الحرارية، فليس هناك دهون جيدة وأخرى سيئة.
* اعرف حدودك. المقدار اليومي المطلوب والموصى به من الطاقة للرجال يساوي نحو 2500 سعرة حرارية. ومقدار 750 سعرة حرارية منها فقط يجب أن يأتي من الدهون. ومقدار 250 سعرة حرارية يجب أن يكون مصدرها الدهون المشبعة، أي ما يساوي 28 غراما من الدهون المشبعة الصافية والتي توجد فيما يلي: – – 600 غرام من لحم البقر المفروم – 280 مليلتر من زيت زهرة الشمس – 133 غراما من جبنة الشيدر – 55 غراما من الزبدة
* الأخبار السيئة. الزيوت التي تحتوي على نسبة مرتفعة من الدهون المشبعة هي الزيوت النباتية مثل زيت جوز الهند حيث يحتوي على نسبة 87 في المائة من الدهون المشبعة.
– يحتوى 150 غراما من الشوكولاته بالحليب على مقدار من الدهون المشبعة أكبر من احتياجك اليومي (28 غراما).
– يحتوي جوز الهند على مقدار من الدهون المشبعة أكثر من الموجد في لحم الضأن المفروم (30 في المائة مقابل 10 في المائة).
– يحتوي زيت الزيتون تقريبا على الدهون المشبعة مثل الموجودة في السمن (14 في المائة مقابل 17 في المائة).
* الأخبار الجيدة: تحتوي شحوم الأبقار على نسبة 50 في المائة فقط من الدهون المشبعة. ويحتوي البيض على نحو 3 في المائة فقط من الدهون المشبعة.
* أخف الضررين؟ بعض الأشياء التي يمكن أن تعتقد أنها قليلة المحتوى من الدهون المشبعة ليست كذلك – والعكس بالعكس.
– تحتوي ثمار الأفوكادو على مقدار الدهون المشبعة أكثر بخمس مرات من خمس علب من رقائق البطاطس (نحو 3 غرامات).
– يحتوي كوب كبير من قهوة اللاتيه على مقدار من الدهون المشبعة أكثر من الكعكة المحلاة بالكريمة (6.6 غرام مقابل 6.2 غرام).
– المكسرات أغنى بالدهون المشبعة من شريحة اللحم (9 في المائة مقابل 3.5 في المائة).
لندن: «الشرق الأوسط»