كاتب واعلامي سعودي
التحرُّش الجنسي فعل قديم، لكنه أصبح شائعاً كمصطلح بداية السبعينات من القرن العشرين. ولعل التعامل معه في الغرب باعتباره شكلاً من أشكال التفرقة العنصرية، هو الذي جعله محل اهتمام التشريعات في الدول الغربية. ولكن على رغم مضي أكثر من أربعة عقود على الاهتمام العالمي بقضية التحرش، إلا أن التشريعات في العالم العربي لم تولِ الاهتمام المفترض لقضية التحرش، بل هناك من اعتبر أن سنّ قوانين لمعوقبة المتحرش، يتنافى مع التعاليم الإسلامية التي تأمر بغض البصر، الذي يمنع التحرش.
التحرُّش نوع من الإيذاء الجسدي، والنفسي، وخطره وصل الأطفال، والدراسات تشير إلى أنه أصبح يهدد حياة الأسر في المجتمعات العربية. وخلال السنوات الخمس الأخيرة أصبح التحرش ظاهرة في كل الأماكن العامة في المدن العربية. لكن الاستجابة القانونية والأمنية تتعامل مع القضية كأنها حدث عابر، على رغم أنها نوع من العدوان، وسلوك قبيح تجاه المرأة، يجعلها تشعر بفقدان الأمان، ويصيبها بجروح معنوية تهدد حياتها لوقت طويل.
في أسف أقول، إن التهاون في قضية التحرُّش يجد من يؤيّده من منطلق أن المرأة المتبرجة هي التي تحرّض على هذا الفعل، بل هناك دعاة يردِّدون هذا المنطق، مع أن الواقع يشير إلى العكس. حتى إذا افترضنا جدلاً، صحة هذا المنطق الأعوج، ماذا عن التحرش بالأطفال، والنساء المحجبات؟
قبل أيام أوقِفَ شابان تحرَّشا بفتاتين في مجمع تجاري شرق السعودية. الحادثة أثارت الرأي العام السعودي، لكنها لم تفضِ إلى نقاش جدي حول ضرورة لجم هذه الظاهرة من خلال قوانين صارمة، تبدأ بالتشهير، وتنتهي بالسجن والعقوبة. لكن الحادثة أثارت نقاشاً حول خطورة تصوير الحوادث التي تقع في الأماكن العامة، وبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقررت مجمعات تجارية ومتنزهات ومطاعم فرض رقابة على مصوّري المقاطع التي تُبث عبر تلك المواقع، وتحديد هوياتهم من خلال كاميراتها الداخلية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية. هذه الأجهزة طالبت بمعرفة الذين يوثّقون الحوادث داخل المجمّعات ويقومون ببثها. تحول الحادث من جريمة تحرش إلى مخالفة تصوير في مكان عام، بافتراض أن التصوير مخالفة، وبات من يلاحق الجريمة مجرماً، وضاع السبب الرئيس في القضية. وانتهت القصة بأن من حق المتضرر من بث مقطع التحرش تقديم شكوى، بخصوصاً إذا كانت امرأة، وظهرت في المقطع في شكل واضح، أما إذا لم تظهر في شكل واضح فليست هناك مشكلة أصلاً!
لا شك في أن التصوير في الأماكن العامة هو المشكلة الأساس. أما التحرش فهو قضية عابرة. هكذا فهمنا من حادثة التحرش الأخيرة شرق السعودية. كأننا نقول للشباب تحرَّشوا، ولكن إياكم والتصوير، رغم أنه أصبح لدى جهات أخرى في البلد وسيلة لمعوقبة المقصرين، وعزل المسؤولين.
الأكيد أن التحرُّش يتفاقم في الأماكن العامة والأسواق، بسبب التهاون في التعامل معه، وغياب القوانين التي تردع مرتكبيه. منع التصوير في الأماكن العامة خرافة، وتجريمه لمداراة عجزنا في مواجهة التحرش خرافة أسطورية، وخوار في القانون.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Dawood-Al-Sheryan