كاتب في صحيفة الحياة اللندنية
مفهوم الترفيه عند بعض الجماعات المتشددة هو المجون والتفسخ والانحلال والبذاءة والخلاعة، وأضف ما شئت من الأشياء السلبية. هذا الانطباع تولد عندهم من خلال الصور النمطية التي يشاهدونها عادة في الأفلام السينمائية، أو الذين يسافرون ويلمسونها عن قرب أو تجربة بارتيادهم المحلات المشبوهة. طبعاً ما تقدم لا يعكس الواقع عن الترفيه، بل هو لا علاقة له بالترفيه؛ الترفيه له ثقافته الخاصة، والواقع أن الأمور التي تتعلق بالترفيه أكثر من أن تحصى.
التوجس والخوف من الترفيه دفع هذه الجماعات للافتئات بتحريم كل ما يتعلق بأي نوع من أنواع الفرح، فأصبح الشخص يخشى حتى من الضحك بصوت عال لكي لا يتهم بالخفة والفسق. وقبل سنوات كانت ورقة اللعب ولعبة الشطرنج محرمة في المملكة، ولو سألت أي متشدد عن سبب ذك لما جاوبك بشكل مقنع! وهل يملك حقاً جواباً؟
عندما كنا أطفالاً إلى مرحلة البلوغ، اقتصر ترفيهنا على «عظيم ساري» أو لعب الورق بالبيت طبعاً، أو «المصاقيل»، أو كرة القدم، وعندما كبرنا فقدنا القدرة أو الرغبة أو الإمكان ممارسة هذه الألعاب، فضلاً عن أن المرأة لا مكان لها في هذا الترفيه البريء.
إنشاء هيئة عامة للترفيه هو اعتراف بوجودها، وهذا أول الغيث، إذ خطرت ببالي التغريدة التي ذكرها الدكتور سعد الصويان بقوله: «الترفيه ما يبي له وزارة خلونا على كيفنا وحنا ندل الدرب». والواقع أن سخريته في محلها، ولو كنا كالدول الأخرى لما احتجنا لهيئة أو وزارة لكي نفرح أو نبتسم. أثناء طرح الرؤية تم ذكر الأماكن المقدسة والمتحف الإسلامي والآثار الكبيرة والكثيرة في المملكة، وهذه تشكل مصدر سياحة مغرياً جداً فضلاً عن المناطق الجبلية والساحلية في المملكة، وقد سافرت قبل 30 عاماً إلى أبها وسافرت لدول أخرى بعدها ومن دون مبالغة لا يمكن أن أنسى منظر السودة في أبها، ذاك الضباب الساحر، وتلك الغيوم التي تحتاج لمن يقطفها، وقبل أيام شاهدت صوراً للنماص في منتهى الجمال من خلال مجموعة «واتساب».
يعني الترفيه ليس متعة مطلوبة فقط، بل هو مصدر دخل جبار، وهناك دول دخل السياحة فيها يوازي دخل دول عربية عدة مجتمعة، مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والنمسا.
كل ما تقدم عموماً كان بالإمكان القيام به من قبل، فلا أعرف مانعاً شرعياً لذلك، والموانع الاجتماعية تكون محرجة لو تم بفرض أمر ما على الجميع، أما ترك الخيار له فسيريحه من هذا الحرج. الفن بمكوناته الرئيسة؛ السينما والمسرح والسيرك وحدائق الحيوان الضخمة ومدن الألعاب على نمط ديزني والمطاعم المفتوحة، والأسواق العملاقة من دون فصل الرجل عن عائلته، ستجعل المواطنين أكثر راحة نفسية وأكثر استقراراً وأقل سفراً، فحتى الأطفال الآن يحلمون بدبي.
لننتظر ونتفاءل بما تتمخض عنه هيئة الترفيه، لكن ما أتمناه هو ألا يقتصر الأمر على قرارات نظرية، وألا يتم تجاهل جيش من الفنانين والأدباء والمثقفين، فدمجهم سوياً سيفضي إلى بوتقة جميلة من مشاريع فنية جبارة. ولا ننسى أن في السعودية شباناً وشابات أنتجوا أعمالاً فنية وسينمائية ونجحوا فيها، فضلاً عن تقديمهم لمهرجانات فنية حتى لو لم تتوافر لدينا الدور السينمائية.
من المؤكد أن قرار إنشاء الهيئة أتى بعد قناعة تامة من المسؤولين بما يحدثه الترفيه من تأثير في الشعوب، ولعل تجربة التواصل الاجتماعي من «تويتر» و«واتساب» أثبتت أن الشعب السعودي لديه مواهب مدهشة لم تكن تخطر على البال.
قد يتخوف البعض من رد فعل طائش، والرد عليه يأتي من خلال تجارب الشعوب الخليجية المجاورة التي يكون فيها السعوديون هم الأكثرية من سواهم. الشعب يريد الترفيه.
المصدر: الحياة