كاتب في صحيفة الحياة اللندنية
سأبدأ من حيث ذكر المحامي الجميل أحمد بصراوي في معرض حديث عن التطبيع في أحد القروبات مخاطباً أحد المهرولين، أن ممارسات بعض الفلسطينيين الخاطئة لا تعني أن تتجاهل أن لهم قضية عادلة وأصحاب حق تاريخي.
نعم ما ذكره صديقنا صحيح، فليس من المنطق أن أعاقب كل الفلسطينيين أو أظلم قضيتهم أو أتخاذل في سبيل نصرتهم لمجرد أن بعضهم لم يقدم واجبه الوطني على أنانيته أو ذاتيته.
مقال السفير عبدالله المعلمي المعبّر أثلج صدورنا، ووجّه رسالة قارصة لكل مهرول بأن ركضهم سراب وعبث. وإذا كان هناك من يروّج للتطبيع فهناك بالمقابل من يقف له كالطود العنيد.
زميلنا أحمد عدنان وعد الجميع في التواصل الاجتماعي بأنه سيكتب مقالة أوحى هو أو روّج إلى أنها ستكون الحسم لمعركة التطبيع وزيارة أنور عشقي، إلا أن المقالة ظهرت بشكل مغاير عما وعد به. ولست أقلل من قلم الزميل، فهو والحق يقال بارع، إلا أنه يدافع عن قضية خاسرة. أحيلك يا سيدي عدنان إلى صوت الضمير وصوت الشعوب العربية الهادرة من المحيط إلى الخليج، فهي ترفض التطبيع، وما حصل في الأولمبياد الأخير في البرازيل هذه الأيام من السعودية ولبنان والكويت والإمارات، سواء من مشاركين أم وسائل إعلام يعطي للعالم رسالة واحدة ثابتة، هي لا للتطبيع مهما طبّع الآخرون.
أريد أن أنعش ذاكرة الزميل إلى أعوام سابقة، عندما تبارت خمس دول وقطعت علاقتها مع الكيان الصهيوني احتجاجاً على ممارسات الأخير التعسفية والهمجية ضد قطاع غزة، أفيا ترى هل تلك الدول وبعضها في أميركا الجنوبية أكثر ولاء وحماسة لقضيتنا العربية منا نحن العرب؟
الاستشهاد المتكرر بمن يقبل ويروّج للسياسة التركية تجاه العدو المحتل، بينما لا يقبل ذلك منا نحن السعوديين لا يعني إلا شيئاً واحداً، هو هذا الخنوع والذل تجاه الرئيس التركي، وهو مرفوض قطعياً، ولا يبرر بالمقابل أن نطالب بالمساواة بالذل وتقديم التنازلات تجاه المحتل، علماً بأننا في الأساس لا نملك ذلك، ثم إن عدنان بذلك يختزل الرفض للتطبيع بفئة محددة واحدة، وتناسى أن العالم العربي مسلمين أو مسيحيين بمختلف تياراتهم القومية والعلمانية والشيوعية والليبرالية والديموقراطية يرفضون التطبيع، وكلٌّ له سببه.
الغريب إصرار عدنان على الحديث عن إيران أو تركيا وكأنما مواقف أي منهم تجاه المحتل تقتضي منا التعامل مع القضية الفلسطينية بناء على علاقتنا معهم، أو أن نساوي بينهم وبين المحتل، أو نتعامل مع المحتل كما يعملون، أو نصالح كما يصالحون. يا سيدي لا يهمني ما يعمله الإيرانيون أو الأتراك إلا بالقدر الذي لا يضر بمصالح وطني، ومواقفنا من التطبيع واضحة وهو الرفض القاطع.
الجانب المهم الذي تطرق له عدنان وحاول مع آخرين الترويج له هو مساواة إيران مع المحتل، ويبدو أن عدنان نسي التاريخ والجغرافيا، الذي علّمنا أن إيران جارة لنا تجمعنا بها عوامل مشتركة، نعم هذه الأيام العلاقات مقطوعة، والتوترات في بلدان عربية عدة على أشدها، إلا أن العلاقة قد تعود اليوم قبل غدٍ إذا انتفت الأسباب المؤدية إلى ذلك، وللتاريخ كنا على علاقة وثيقة مع العراق أيام صدام، ثم حصل الغزو وأصبحت سيئة، ثم عادت العلاقة، والآن العلاقة مع سورية سيئة، بينما كانت في أوجها أيام حافظ الأسد، وفي مصر قطعت العلاقات بعد سلام (التطبيع مع مصر أيام السادات) وعادت بعد اغتياله.
بعض الزملاء ومنهم عدنان في مقالته ردد شعارات السلام، منتقداً حالة اللاحرب واللاسلم، والتي يرون أن المحتل هو المستفيد منها، وهذا غير صحيح، بدليل أن الدول التي تتخذ مواقف أشد ضراوة تجاهه ومنها دول أوروبية آخذة بالازدياد، بينما السلم الذي يطالب به بعضهم سيعطي المحتل شرعية هو يقاتل للحصول عليها.
نعم لا توجد حالة حرب مع العدو الآن، ولكن المحتل يشعر بالعزلة، وعلى رغم كونه يعيش حالياً بأمان من خلال الجبهات العربية، إلا أنه يعلم أن غداً ليس اليوم، وأن الأطفال العرب يرضعون كرههم، وبالتالي هم من يريد سلاماً، ولكن هم يريدونه مفصلاً بطلباتهم العنترية، أفنحققه لهم من دون مقابل؟ يعني أَتُحْتَل أرضي وتُنْتَهك سيادتي وكرامتي وأنا من يسعى للسلام مع الغاصب المحتل؟ عجبي
المصدر: الحياة