إعلامي وكاتب مصري
هل صحيح أن حماس الغرب، عموما، ثم الأميركان خصوصا، لإزاحة نظام بشار الأسد عن الحكم في دمشق، يتراجع يوما بعد يوم، وأنه الآن، غيره زمان، عند بداية ثورة السوريين عليه، في أوائل 2011؟!
وهل صحيح أن انحسار هذا الحماس، راجع في أساسه، إلى أنهم اكتشفوا أن الجماعات المتطرفة على الأرض السورية، من أول جبهة النصرة، ومرورا بـ«داعش» وانتهاء بـ«القاعدة» عموما، هي بديل الأسد إذا سقط؟!
إذا افترضنا نظريا، أن هذا الاعتقاد صحيح لديهم، وهو صحيح نسبيا فيما يبدو، فإن السؤال هو: كيف يخاف الغرب من التطرف في دمشق، ويخشي مجيئه إلى الحكم، ويتحسب لذلك بغض بصره عما يرتكبه نظام الرئيس السوري، ثم ينحاز في الوقت ذاته، وبالتوازي، إلى «الإخوان» في القاهرة، فيتعاطف معهم، حتى بعد سقوطهم، بمثل ما مال إليهم، في وقت وجودهم في السلطة؟!
لا جدال طبعا، في أن المصلحة الغربية المجردة، هي الحاكمة في الحالتين، وأن انحياز واشنطن – مثلا – إلى الإخوان، منذ ما بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، إلى أن حكموا، لم يكن أبدا لأن الإدارة الأميركية تحبهم، ولا كان من أجل سواد عيونهم، وإنما لأنها، كإدارة أميركية، ومن ورائها كثيرون في عواصم عدة في أوروبا، رأت أن الجماعة الإخوانية سوف تحقق لهم، وهي في مواقع الحكم، خدمات جليلة لم تكن متاحة، في أيام حكم حسني مبارك نفسه!
راجع، من فضلك، واقعتين على وجه التحديد، وسوف يتبين لك منهما صدق ما أقول: أما الأولى فهي أن «مرسي» خاطب شيمعون بيريس، رئيس إسرائيل، ذات يوم، فوصفه في خطاب رسمي بأنه «صديقه العزيز»، وهو بالمناسبة ما لم يفعله «مبارك» على مدى 30 سنة له في الحكم. وأما الثانية فهي الطريقة التي تمكن بها الإخوان، من وقف إطلاق أي صاروخ حمساوي على إسرائيل، لدرجة أن «أوباما» وقتها، هاتف «مرسي» من طائرة كان يستقلها الرئيس الأميركي في الجو، وقال عنه، أي عن الرئيس الإخواني، إنه «رجل يُعتمد عليه» وما كادت تمضي أيام بعدها، حتى كانت مجلة «تايم» الأميركية تصدر في عدد جديد، بينما صورة المعزول مرسي على غلافها، وتحته عبارة تقول: أقوى رجل في الشرق الأوسط!
هو أقوى رجل فعلا، بدليل أنه وافق لإسرائيل على تركيب أجهزة مراقبة محددة، على حدودها مع مصر، وكان «مبارك» في أيامه، يرفضها، ويغلق ملفها كلما فتحه مسؤولون إسرائيليون!.. «مرسي»، إذن، أقوى رجل، لأنه أوقف هجوما كان قد بدأ أيامها، من غزة على إسرائيل، وتعهد بألا يكون هناك هجوم مماثل فيما بعد!
من حقنا، والحال هكذا، أن نسأل عما إذا كانت الجماعات إياها في سوريا، متطرفة في نظر الغرب، وعما إذا كان الإخوان في المقابل، غير متطرفين؟!
ومن حق أي عاقل أن يسأل، وهو في منتهي الحيرة، عن المنطق الذي يجعل التطرف مرفوضا، وموضع خوف، ومثار رعب، في سوريا، ثم يكون التطرف نفسه، مقبولا في مصر، بل محل مساندة ومساعدة؟!
قد يكون الغرب قد انخدع في الإخوان، وتخيل أنهم معتدلون، وأنهم يقبلون أن تشاركهم سائر القوى السياسية، حكم مصر، وأنهم ليسوا أهل عنف، ولا أهل سلاح، ولا أهل قتل!
يجوز أن يكون قد انخدع فيهم، ولكن عاما كاملا في القصر، ثم بضعة أشهر خارجه، لا بد أنها فترة كافية جدا، من حيث ممارستها على الأرض، لكي يفهم الذين راهنوا عليهم، أنهم، كجماعة إخوانية، لا تختلف في كثير ولا قليل، عن «النصرة» ولا عن «داعش» ولا حتى عن «القاعدة».
هل ينسى أحد، أنهم وهم في عز الحكم، قد حاصروا المحكمة الدستورية العليا، أعلى محاكم البلاد، لأيام، ومنعوا قُضاتها من دخولها، لا لشيء، إلا لأن المحكمة كانت بصدد النظر في قضية كانت «الجماعة» تعرف، مُسبقا، أن الحكم فيها، دستوريا، لن يكون لصالحها، ولذلك كانت الطريقة المثلى من جانبهم، في التعامل مع شأن قضائي مجرد من هذا النوع، هي منع هيئة المحكمة من الانعقاد أصلا، وهو ما لم يحدث من قبل، في تاريخ المحكمة بامتداد عقود من الزمان!.. فهل يدل مثل هذا المسلك، بأي مقدار، على أن أصحابه أهل حوار، أو أهل عقل، أو أنهم ضد العنف بكل أشكاله؟!
ثم.. هل ننسى، أن واحدا من قيادات الإخوان، قد قال علانية، بعد خلع «مرسي» بأيام، إن تراجع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، عن عزل الرئيس، سوف يوقف العنف، فورا، في سيناء.. وكأن «السيسي» هو مَنْ عزل الرئيس الإخواني، ثم كأن الملايين الذين ملأوا شوارع مصر وميادينها، يوم 30 يونيو (حزيران) 2013، ضد فشل وعجز الإخوان، لم يكن لهم وجود، في نظر القيادي الإخواني، الذي أدان نفسه، وأدان جماعته من حيث لا يدري، فقال بلسانه، في عبارات مسجلة ومذاعة، إنهم هم أصحاب عنف سيناء.. فهل هذه جماعة إخوانية، تختلف فيما ترتكبه، عما ترتكبه تلك الجماعات التي تعربد على أرض سوريا؟!
الأمثلة كثيرة، والأدلة لا حصر لها، والقرائن متعددة، على أن التطرف في أرض الشام، لا يختلف عنه لدى الإخوان، لأن التطرف، كالكفر، ملة واحدة، غير أنه فيما يظهر، مُضر هناك، حتى الآن على الأقل، في نظر المنطق المزدوج في أوروبا وأميركا، ولكنه مفيد في القاهرة، أو على الأقل أيضا، كان مفيدا حتى وقت قريب، ولا يريد الذين هرولوا وراء فائدته الموهومة أن يعترفوا، بأنه لا كان ذا فائدة، ولن يكون!
المصدر: الشرق الأوسط