كاتبة وباحثة مغربية
على الفايسبوك، كتب أحد الأصدقاء مثالا وجدته جد معبر عن واقعنا الحالي: تخيل أن يكون لديك طفل تُعَلمه منذ الصغر بأن حيوان الكوالا سيء جدا وقذر وعنيف تجب محاربته. تخيل أن يكبر طفلك وأنت ترسخ لديه تدريجيا هذه الفكرة. في أحد الأيام، تذهب الأسرة إلى بيت الجيران. تجد لديهم كوالا. يضربه الطفل بعنف ويحاول طرده أو رميه من النافذة. يشعر الوالدان بالحرج أمام تصرف ابنهما. يعتذران للجيران وهما يعنفان الصغير لأن تصرفه غير سوي.
هذا بالضبط ما يحدث لدينا اليوم. نعتقل المشجعين لداعش ونندد بهم وبسلوكهم “غير الإسلامي”، في حين أننا، أُسرًا ومؤسسات، ساهمنا في تكوين النسق الفكري لهؤلاء الأفراد.
نعلم الأطفال في المدارس بأن الجهاد في سبيل الله واجب على كل مسلم. بأن الدين عند الله الإسلام وبأن من هم دوننا كفار سيشكلون حطب جهنم. نعلمهم في المدارس بأن النصارى واليهود هم المغضوب عليهم وهم الضالون. بأن المسلم وحده يملك الحقيقة. لا، بل وأكثر من ذلك: بأن المسلم السني وحده يملك الحقيقة. بأن الشيعة حرّفوا الدين. بأن المسيحيين واليهود زوّروا كتبهم المقدسة في حين حمى الله كتابنا المقدس دونا عن غيره من الكتب السماوية. نجعل من مراسيم ذبح الخرفان حفلا كبيرا يحضر له الصغار قبل الكبار. يرتبط في ذهنهم ولاشعورهم الصغير بأن الذبح عملية احتفالية. بأن الرجل الحقيقي هو الذي يتقن الذبح والسلخ.
ويأتي يوم يكبر فيه الطفل. ولأنه تعلم بأن القرآن يشمل كل مناحي الحياة المعرفية، فهو لا يهتم بالاطلاع على فكر آخر وكتب أخرى. طبيعي. فهو يملك الحقيقة المطلقة التي لقّناه إياها. ثم يأتي يوم يقرر فيه أن يجاهد، بيده أو بلسانه أو بقلبه. هنا، تعترضه مؤسسات الدولة أو ما تبقى منها في دول انهارت فيها المؤسسات. تحاسبه. تعاقبه. تحبسه. لأنه إرهابي. أوَ لم تزرعوا الإرهاب في أعماقه؟ أو لم تدربوه على العنف وإقصاء الآخر ورفض الاختلاف؟ أو لم تجعلوا الذبح عنده احتفالية؟ أو لم تدرسوه في مناهجكم ومدارسكم بأن الجهاد واجبه كمسلم؟ أو لم تعلموه بأنه وحدَه يملك الحقيقة؟
سهل أن نندد اليوم جميعنا بالإرهاب ونتساءل عن أسبابه. سهل أن نقول بأن داعش والقاعدة صناعة أمريكية. التاريخ سيثبت حقائق قد تكون اليوم غائبة عنا… لكن الأكيد أنه، وخارج كل تدخل خارجي، فقد ساهمت مناهجنا التعليمية والتعتيم الإعلامي في إنتاج منظومة فكرية متطرفة داخل مجتمعاتنا. منظومة تقصي الآخر المختلف وتتربع فوق عرش الإقصاء الممنهج. إذا لم نُعِد النظر في الأصل: في مناهجنا التعليمية والنسق الفكري الذي نربي عليها الصغار، فسنُفَرِّخ أبدا متطرفين صغارا يكبرون بيننا ليلتهموننا ويقتلوا حيوان الكوالا دون أن يفهم أحد السبب.
خاص لـ “الهتلان بوست”