إعادة هيكلة قطاع التعليم الجامعي بما ينسجم مع رؤية 2030، وبرنامج التحول الوطني ومبادراته؛ أصبحت ضرورة، ليس فقط على صعيد نظام الجامعات الذي لم يرَ النور بعد، أو مستوى جودة المخرجات ومدى مناسبتها لسوق العمل، ولكن قبل ذلك مراجعة حالة الاستنساخ للتخصصات التي لم تعد ذات قيمة مقارنة بأعداد الخريجين منها كل عام، حيث أصبح من الضروري إعادة النظر في إمكانية تحويل بعض الجامعات إلى تخصصات تطبيقية وأخرى بحثية في مجالات علمية يحتاجها السوق من جهة، وتقلل من نسب البطالة من جهة أخرى.
مسيرات الخريجين الذين تجاوزوا عشرات الآلاف في أكثر من (27) جامعة حكومية، و(11) جامعة خاصة، و(39) كلية أهلية، فضلاً عن آلاف المبتعثين العائدين بالشهادات العليا؛ تطرح تساؤلاً ملحاً: أين سيجد كل هؤلاء فرصتهم في التوظيف؟، ومن هو المؤهل منهم مهنياً للالتحاق بالسوق؟، ولماذا النسبة العظمى منهم من تخصصات نظرية إنسانية؟
فرحة التخرج التي بدأت على محيا كثير من الطلاب والطالبات تصطدم سريعاً بواقع السوق، وتبدأ معاناة الحصول على الوظيفة لتشكّل هاجساً أكبر بعد سنوات طويلة من التعليم، وتستمر تلك المعاناة مع تقديم تنازلات للطموح الذي كان يراود كل خريج، والأمنيات التي كان يتطلع إليها؛ لأنه باختصار وجد نفسه خريج معرفة وليس مهنة، وهذا يعني أن الأساس التي كانت عليه الجامعات قبل عقود من الزمن يجب أن يتغيّر، وبسرعة؛ حتى لا يتضخم العدد إلى ما هو أكبر، ومؤشر البطالة يتنامى.
لدينا حاجة ماسة إلى تخصصات مهنية في السوق، وسعت مؤسسة التعليم التقني والمهني أن تغطي ذلك العجز، ولكن لا تزال كلياتها التي تمنح البكالوريوس تواجه تحديات كبيرة على مستوى التأهيل والإمكانات والدعم أيضاً.
والسؤال: لماذا لا تبقى المؤسسة في تخصصات معاهدها الفنية، وتتحول خمس أو ست جامعات حكومية إلى تخصصات مهنية عليا، وثلاث أو أربع إلى جامعات بحثية، ونستثمر الميزانيات والمباني والإمكانات في تخصصات جديدة تناسب الواقع الحالي للسوق، وتنسجم مع رؤية الوطن الطموحة؟
كل دول العالم تعيد هيكلة تعليمها الجامعي كل عقد أو عقدين من الزمن، ونحن لا نزال نخرّج أجيالاً بذات التخصصات، وغالباً بذات المستوى من المعرفة، ولا نقدم قيم مضافة إلى السوق الذي لا يزال يعمل فيه أكثر من (12,2) مليون أجنبي وفق هيئة الإحصاءات العامة.
التأخير والتردد الذي نحن فيه ندفع ثمنه باهظاً، وترتد آثاره سلباً على الخريجين الذين ينتظرون فرصة العمل بما يناسب طموحاتهم، وسنوات العمر التي قضوها في التعليم دراسة وبحثاً وتطبيقاً، وهو حق مشروع لهم.
المطلوب إعادة هيكلة التعليم الجامعي خلال السنوات العشر المقبلة، ونجيب على التساؤلات التي سكتنا عنها، ووصلنا إلى مرحلة لا يجد فيها الخريج وظيفته التي يحلم بها.. فقط مزيداً من التخطيط، والتفكير في المستقبل؛ لنرى الفارق.
المصدر: الرياض