كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
يبرز سؤال “التعليم والسعودة” كأكثر، أو للتخفيف، كواحد من أكثر القضايا الاجتماعية الضاغطة على مؤسسات التعليم العالي وخصوصاً في دائرة التوظيف. نسمع على الدوام تكرار جملة التضليل المعلوماتي من آلاف حملة الدكتوراه الذين يتقدمون للجامعات المحلية دون فرصة قبول، مع أن الجامعات نفسها ترسل طواقمها الإدارية والأكاديمية كل عام إلى عواصم الدنيا ومدنها من أجل التعاقد مع وافدين لشغل هذه الوظائف. أولاً، فمن الكذبة الكبرى بمكان أن نبلع الحكاية من أن شخصاً في الخامسة والثلاثين من العمر، وأيضاً، حاملا لشهادة دكتوراه حقيقية ثم لا يزال بلا وظيفة. هؤلاء، في الغالب يبحثون عن فرصة نقل وظيفي من أماكنهم الحالية تحت إغراء لقب “الأستاذ الجامعي” وأيضاً للبرهنة لمن حولهم ولمجتمعاتهم بصحة وسلامة المعايير والجامعات التي منحتهم هذه الشهادة. ثانيا، فإن هذا الضغط يشكل اختراقاً لشروط الجامعات ومعاييرها في مواصفات الشهادات العليا وجامعاتها التي تمنح الدرجة. معظم هؤلاء خريجو برامج دراسات عليا من الجامعات المحلية، وجزء منهم أيضاً طلبة انتساب في جامعات جوار تمنح الدكتوراه لمجرد تكاليف تذكرتي سفر للدارس وغارتي زيارة ليومين: يوم للتسجيل وثان بعيد للمناقشة. وبحسب تقرير هذه “الوطن” الشهير فإن أقل من 1% من هذه البرامج هو للدراسات العلمية التطبيقية، بينما تسبح بقية البرامج في الدراسات التربوية والإسلامية المشبعة في الأصل بتخمة مضاعفة.
هل أنا ضد السعودة في التعليم؟ نعم وبكل وضوح، وأزيد على هذا: حتى في التعليم العام بدءاً من الروضة حتى نهاية الدرجة الماسية الأخيرة. جزء من موقفي يكمن في الأسباب الواردة بعاليه وشيء منه يعود لما يلي: التعليم هو انفتاح العقل على المدارس والثقافات، ولهذا سيظل موقفي: لا ضد المدرسة الابتدائية الغارقة في مستنقع “المحلي”، بل حتى ضد فكرة الجامعة التي لا تتعدى “سوار” الإقليم أو المنطقة سواء في الأستاذ أو الطالب. عاشت جامعة الملك سعود، بالمثال، عصرها الذهبي عندما كان طلابها يأتون من ألف ثانوية ومن كل فجاج الخريطة الوطنية، ويوم كان أساتذتها تمثيلا مكتملا لهذه الخريطة، وأيضاً من عشرات الجنسيات ومخارج كل حروف اللغة والألسنة. درست التعليم العام على يد ست جنسيات مختلفة، ودخلت جامعة الملك سعود وقد كنت طالباً على أيدي إحدى عشرة جنسية عالمية بحساباتي فقط قبل كتابة هذا المقال. جامعات الصف الأول في العالم تلجأ في منشوراتها الدعائية إلى الصورة الفوتوغرافية التي تحمل سمات التنوع والاختلاف في العرق والجنس: جامعة “برنستون” مثلاً تفاخر بوجود 97 جنسية مختلفة في عام دراسي واحد من الطلاب والأساتذة. ولو كان لي من القرار حتى ولو مجرد كلمة شفهية على طاولة لطالبت بحتمية وجود ولو معلم أجنبي واحد لحصة واحدة في اليوم أمام كل طالب. سأطلب من كل الجامعات أن تخصص ما لا يقل عن 10% من مقاعدها لطلاب أجانب تختارهم بعناية. أن يبقى ثلث الكادر الأكاديمي من أساتذتها حاملاً لهذا الشرط. لي تبريري الذي لا تسمح به هذه المساحة.
المصدر: الوطن